بدأ لبنان يعيش بجدية انعكاس الاحداث السورية عليه بعد مرور نحو شهر على اندلاعها. ومع الرصد الاسبوعي لتظاهرات المدن السورية المتنقلة في المحافظات ، تتحول الانظار الى الامن اللبناني الذي تترك عليه الاوضاع السياسية اللبنانية والسورية بصمات واضحة. ويتلمس المسؤولون الكبار العسكريون والامنيون يوما بعد آخر واقعا أمنيا يرخي بثقله على الارض. ورغم ان هؤلاء يتجنبون خوض النقاش من الزاوية السياسية، ثمة تأكيد ان "قلقا يسود لم يصل بعد الى حد الخوف على مصير الوضع اللبناني. لكن التنبه والحذر ضروريان لمواكبة أي انعكاس أمني، ولا سيما أن لبنان يعيش فراغا سياسيا من دون حكومة ، تزامنا مع التطورات السورية. فتماسك سوريا ينعكس استقرارا على لبنان والعكس صحيح".
تعددت هوية الحوادث المتنقلة في لبنان، وجاء كلام السفير السوري علي عبد الكريم عن ضرورة ملاحقة القضاء اللبناني ما بثه التلفزيون السوري من اعترافات حول تورط "تيار المستقبل" في حوادث سوريا، ليضاعف حجم الهواجس المحلية، فيما تحدثت تقارير غربية عن حساسية التواصل الجغرافي اللبناني السوري شمالا، وعن المفاوضات بين دمشق والرياض والتي تتركّز على فك العلاقة السنية اللبنانية مع المدن السنية السورية، مقابل تعهد سوريا تخفيف ضغط "حزب الله" لبنانيا.
ويرسم بعض المعنيين في لبنان السيناريوات الاقصى المحتملة لانعكاس ما يجري على لبنان إذا قررت سوريا وحلفاؤها الهروب الى الامام، وهو ما يقتضي انفلات الوضع جنوبا مع اسرائيل او احكام "حزب الله" قبضته على الوضع الداخلي، مستفيدا من الفراغ الحاصل.
لكن الاحتمالين مستبعدان حاليا بسبب عدم وضوح الرؤية الاقليمية للتطورات السورية. وما يحصل لبنانيا قد يكون نوعا من البرمجة المضبوطة لبعض الارباكات الامنية كحوادث رومية والاملاك العامة وخطف الاستونيين وانفجار زحلة. وفي انتظار صورة أوضح للاحداث السورية، يعيش لبنان إيقاعا امنيا يظلّله فراغ سياسي كبير.
تؤكد المعلومات الامنية لدى الجيش وقوى الامن ان القوى الامنية لم توقف اي مجموعات تنقل السلاح الى سوريا، الا ان معلومات امنية أفادت "النهار" ان سوريا أبلغت لبنان توقيفها مجموعة عبرت البقاع الشمالي الى سوريا وفي حوزتها عدد من بنادق "بامب اكشن".
ورغم أن ثمة اقتناعا بأن الحديث عن تهريب السلاح اللبناني الى سوريا رسالة الى الراعي الاقليمي لـ"تيار المستقبل"، اكثر مما هو اقتناع جدي بأن هذا السلاح هو الذي يحرك فعليا حوادث سوريا، فان الحدود المشتركة ستكون موضع عناية في الايام المقبلة، مع العلم ان التنسيق لا يزال مستمرا بين الاجهزة الامنية اللبنانية والسورية لمتابعة أي تطورات.
والحدود الشمالية والبقاعية مشكلة كبيرة، إذ كان لبنان بعد عام 2005 يطالب والدول الغربية بتوفير المراقبة عليها، ولا سيما لجهة المعابر غير الشرعية. اليوم انقلبت الآية، وصارت سوريا تطالب بضبط هذه الحدود "إلا أن الامكانات اللبنانية ضئيلة والتدابير على المعابر صارت متشددة من جهة سوريا".
يشدّد الامن السوري الرقابة على المعابر، وخصوصا على السيارات السورية الآتية من لبنان. ويؤكد مرجع أمني أنه سجل أخيرا تراجع ملحوظ في حركة العابرين بين البلدين. وفي المقابل ترصد القوى الامنية حركة العمال السوريين في لبنان، المعارضين والموالين. فالجيش لن يسمح بأي صدامات بين مجموعات تفتعل مشاكل أمنية، ولا بتكرار ما حدث سابقا في الجامعة اللبنانية حيث كان الجيش جاهزا لقمع اي صدام. من جهتها اتخذت القوى الامنية تدابير ميدانية لمنع التجمعات والانتشار "غير العادي" على الطرق.
وفيما لا تزال قوى الامن على جهوزها لمواكبة أي تطور أمني، أكد الجيش اللبناني المحافظ على جهوزه أنه يطبق خطط تحرك قطعه بحسب ما تقتضيه الحوادث الامنية، ويرصد بدقة التطورات السورية والانعكاس السياسي لما يجري في الداخل اللبناني على وضعه، وخصوصا أن ثمة قرارات حساسة تفترض قيام حكومة، وكلما كبر الفراغ تعاظمت المشاكل. مع العلم أن الجيش بات بلا رئيس أركان بعد تقاعد اللواء شوقي المصري، وهو دور حيوي صار في عهدة قائد الجيش العماد جان قهوجي. والاولويات ايضا تغيرت لدى الجيش لان البقاع والشمال أصبحا في صدارة الاهتمامات – من دون التخلي عن بيروت وجبل لبنان – نظرا الى ترابطهما الجغرافي مع الداخل السوري، وهما اساسا يشكلان بقعا امنية تحمل توترات معروفة.
وشكّلت حوادث سجن رومية معيارا اساسيا في التعاون بين الجيش وقوى الامن من أجل عدم انفلات الامر خارج السجن. بالنسبة الى القوى الامنية كانت الرسالة السياسية ظاهرة في سجن رومية، كجس النبض، لكنها أخمدت في الوقت المناسب. اما بالنسبة الى الجيش فكان الخيار بين أمرين "دولة ظالمة بالنسبة الى وضع السجناء، او التحرك لمنع خروجهم وتحمل عواقب هربهم الى خارج المنطقة". اتخذ القرار سريعا في اتصال هاتفي بين قائد الجيش والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي، اكد الاول خلاله الاستعداد التام للتدخل ومؤازرة قوى الامن، تماما كما أكد لاحقا بالنسبة الى المؤازرة لقمع المخالفات على الاملاك العامة جنوبا.
اما بالنسبة الى خطف الاستونيين، فثمة معلومات متطابقة عن انهم لا يزالون على قيد الحياة. لكن ما لفت الجهات الامنية المعنية مباشرة أن المسؤولين العسكريين في السفارات الغربية لم يبدوا كبير اهتمام بملاحقة تفاصيل الخطف ولا بمتابعة الخاطفين. ورشحت معلومات ان قناة استونية - سورية باتت مفتوحة لمتابعة هذه العملية، فيما تستمر ملاحقة المسؤولين الرئيسيين عن الخطف.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك