يحبس الطرابلسيون أنفاسهم قبل يوم الجمعة المقبل، الذي من المفترض أن يشهد تظاهرة تضامن مع «الثورة السورية»، وسط مخاوف أمنية من تظاهرة مضادة، ما قد يحوّل المشهد التضامني إلى ساحة مواجهة
في أول موقف مباشر من طرف لبناني في الشأن السوري منذ ظهور التحركات الاحتجاجيّة في سوريا في 15 آذار الماضي، دعا «حزب التحرير الإسلامي ـــــ ولاية لبنان»، أمس، إلى «تظاهرة النصرة لثورة الشام من طرابلس الشام»، بعد صلاة يوم الجمعة المقبل في 22 نيسان الجاري، انطلاقاً من الجامع المنصوري الكبير وسط المدينة القديمة.
إعلان حزب التحرير جاء عبر مناشير وزعها بعد صلاة الجمعة أمس أمام أبواب معظم مساجد طرابلس والشمال، برّر فيها التظاهرة، حسب ما جاء في المناشير، بأنها «نصرة لإخواننا في سوريا، حيث يمارس نظام الطغيان صنوف القتل والتعذيب والإذلال، وانضماماً إلى مسيرة الأمة لاستعادة سلطانها المغصوب».
هذه الخطوة التي يتّخذها حزب التحرير تضامناً مع التحركات التي شهدتها أكثر من دولة عربية في الأشهر الأخيرة، ليست الأولى؛ ففي الثالث من شهر شباط الماضي، نظم الحزب تظاهرة تضامنية مع التحركات الشعبية التي شهدتها كل من تونس ومصر، جابت شوارع طرابلس وهي تطلق الهتافات التي تدعو إلى «إسقاط حكم الطغيان، وقيام حكم القرآن»، فضلاً عن رفع لافتات كتب على بعضها: «بالأمس تونس واليوم مصر وغداً ...؟»، و«البديل عن الأنظمة العميلة نظام الخلافة الراشدة».
قبل تظاهرة حزب التحرير المرتقبة الأسبوع المقبل، جرت محاولة في طرابلس للقيام بتحرك مماثل لم يكتب لها النجاح، عندما ألصق مجهولون ملصقات على جدران بعض الشوارع في المدينة، موقّعة باسم «أسود الشام»، دعت إلى التجمّع في 28 آذار الفائت في ساحة عبد الحميد كرامي (ساحة النور)، من أجل «التضامن مع الشعب السوري»، وتضمنت الملصقات، التي حملت شعار «أنا من سوريا» و«انتفاضة 15 /3 /2011»، إعلاناً من «شباب الثورة في سوريا عن تنظيم تظاهرة سلمية في لبنان الشقيق نصرة لأهلنا في درعا خاصة، وفي سوريا عامة»، داعيةً «الشباب السوري من مثقفين وكادحين، البالغ عددهم مليوناً ونصف مليون، والإخوة اللبنانيين، إلى النزول إلى التظاهرة بكل عزم وثقة، مع العلم أن نصرة المظلوم واجب على كل مسلم». إلا أن الساحة في ذلك الموعد بقيت هادئة أكثر من المعتاد، ما فُسّر على أنه إجهاض لتحرك لم يتبنّه أحد، قبل أن يبادر حزب التحرير أمس إلى إعلان نيته تنظيم تحرك، بدأت قوى سياسية وجهات أمنية تستقصي عنه.
مصادر أمنية أعربت لـ «الأخبار» عن تخوفها من أن «يؤدي تنظيم تظاهرة كهذه إلى ارتدادات أمنية خطيرة، فضلاً عن تداعياتها السياسية»، بعد ورود معلومات تحدثت عن أن مؤيدي سوريا في المدينة ينوون تنظيم تظاهرة مضادة ومماثلة، ما قد يؤدي إلى إشكالات وتداعيات أمنية ليست المدينة قادرة على تحمّلها في هذه الظروف، لأنه حسب المصادر الأمنية «إذا كان تنظيم تظاهرة تأييد للتحرك في تونس ومصر قد مر بسلام في طرابلس، فإن تنظيم تظاهرة تأييد مماثلة للتحرك في سوريا لن يكون كذلك، نظراً إلى حساسيته السياسية والأمنية البالغة على كل الصعد، وحساباته الكثيرة والمعقدة».
في موازاة ذلك، أبدت مراجع إسلامية بارزة في طرابلس تحفظها على خطوة حزب التحرير، وسألت: «هل التحرك الذي يحصل هذه الأيام في سوريا هو إسلامي أو شعبي حتى نتحرك للتضامن معه، مثلما كانت الحال في تونس ومصر مثلاً؟».
وإذ أكدت هذه المراجع أنها «متضامنة مع حقوق السوريين في مطالبهم المعيشية ومحاربة الفساد والمحسوبيات»، رأت أن «ما يجري في المنطقة ككل، وسوريا منها، هو محاولة من أميركا ودول غربية لاسترجاع ما بدأ تخسره في المنطقة في السنوات الأخيرة»، محذرة من أن «انفلات الأوضاع في سوريا سوف يؤدي في حال تطوره نحو الأسوأ، إلى انقسامها ودول المنطقة دويلات مذهبية وعرقية ستتقاتل في ما بينها، ولن يصبّ هذا الأمر إلا في مصلحة إسرائيل».
المراجع الإسلامية المذكورة، التي أبدت مخاوفها من «انتقال الصراع في سوريا إلى الداخل اللبناني»، دعت الجهات الأمنية المعنية إلى «منع تنظيم تظاهرة حزب التحرير، وتجنيب طرابلس خضّات هي بغنى عنها، لما لها من تداعيات خطيرة لا نعرف إلى أين ستوصلنا».
غير أن رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير أحمد القصص رد لـ «الأخبار» على المخاوف التي برزت من احتمال حصول حوادث أمنية خلال التظاهرة، بأنه «نحن لسنا حزباً أمنياً، ولا نملك أسلحة، كما أن تظاهراتنا تكون دائمة منضبطة». وبرّر القصص تحرّك حزبه بأنه «ليس أول تحرك نقوم به، فقد قمنا بتحرك سابق تضامناً مع تونس ومصر، واليوم قررنا التضامن مع أهل سوريا بعدما احتدم البطش في حقهم»، راداً على من يقول إن تحرك حزب التحرير يعدّ تدخلاً في شؤون سوريا، وقد يحرج السلطات الرسمية اللبنانية، بأن «حزبنا حزب عالمي، وما يجري في سوريا نعدّه يجري في صميم الأمة، ولا نحسب تحركنا كما تحسبه الجهات الرسمية، فنحن نقوم بما نقتنع به، ولو فعلنا غير ذلك لكان علينا أن نقول لشعبَي تونس ومصر مثلاً إنكما على خطأ».
إلا أن القصص الذي توقع أن «تجري معنا اتصالات للتمني علينا أو لمنعنا من التظاهر يوم الجمعة المقبل»، أكد أن «قرار التظاهر اتُّخذ ولا رجوع عنه، ويمكن القول إن التظاهرة حصلت فعلاً».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك