من الصعب فصل «إنجاز» عودة الطابق الثاني من مبنى الاتصالات في العدلية إلى كنف وزارة الاتصالات عن إقرار خطة الكهرباء وما سبقها من معارك بشأنها. فانتصار منطق الدولة كما وصفه الوزير نقولا صحناوي، في حديث لـ«السفير» من داخل الغرفة التي تحتوي على معدات الشبكة الثالثة، جاء ليعزز انتصار عون الكهربائي، وإن بطريقة أقل صخباً.
زوال العقبات، فجأة، من أمام وزارة الاتصالات للسيطرة على ممتلكاتها، في هذا الوقت بالتحديد، يؤكد أن أخصام عون من داخل الحكومة وخارجها أرادوا أن «يتغدوا به قبل أن يتعشى بهم». فضلوا تمهيد طريق العدلية أمامه بهدوء، بدل أن يسلكها عبر معركة أخرى لن يكون فوزه بها صعباً، على قاعدة «بعد معركة الكهرباء ليس مسموحاً أن يعطى لعون انتصار مجاني».
لم يتضح حتى الآن ما الذي حصل حتى تحول المحظور في 26 أيار الماضي إلى مسموح بالأمس. في ذلك الحين، تصدى أكثر من 250 عنصراً من «فرع المعلومات» لوزير الاتصالات السابق شربل نحاس أثناء دخوله مع عدد من موظفي الوزارة إلى الطابق الذي سمي بـ«الاسود»، فيما استقبل صحناوي، أمس، بالترحاب من قبل القوى الأمنية الحارسة للطابق، ولم يعترض أحد على فتحه لأبواب الغرفة التي كثرت الشائعات حولها.
منذ أيار، كل ما تحقق عملياً هو انتقال حراسة الطابق الثاني من «فرع المعلومات» إلى الجيش اللبناني، تنفيذاً لأمر من رئيس الجمهورية ميشال سليمان بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة. وبرغم هذا الإجراء في حينه، بقيت وزارة الاتصالات غير قادرة على الدخول إلى حيث معدات الشبكة الصينية الثالثة على أمل تبيان أسرارها.
حتى اللجنة التي شكلها نحاس لاستلام الشبكة ومعداتها ووضع تقرير فني حولها آنذاك، وأعاد إحياءها صحناوي لم تصل إلى غايتها. فعندما دخلت اللجنة إلى المبنى، بعيد تشكيل حكومة نجيب ميقاتي اتصلت قيادة الجيش بصحناوي، وأبلغته بشكل واضح أن الموضوع يحتاج إلى قرار سياسي، ولا أوامر لدى العسكريين المولجين بالحماية بالسماح لأحد بالدخول. وهو ما فسر حينها بعدم رغبة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في إعطاء المعارضة أي ذريعة لاستنفار الشارع السني ضده.
منذ ما يقل عن الشهر، أعاد صحناوي تحريك الأمر، بهدوء. أرسل رسالتين إلى كل من وزير الدفاع فايز غصن ووزير الداخلية مروان شربل، يطلب منهما العمل على إنهاء هذا الوضع الشاذ، وإعادة الأمور إلى نصابها. أي إعادة المسؤولية عن الطابق الثاني إلى أمن السفارات المولج قانوناً بحماية المقار الرسمية والوزارات. وبعد اتصالات متبادلة بين الدفاع والخارجية ومن خلفهما قيادتا الجيش وقوى الأمن الداخلي، تم بهدوء شديد وفي غمرة الصراع الكهربائي، تنفيذ القرار، فانسحبت الدبابة الجاسمة أمام مبنى الاتصالات في العدلية، برفقة العناصر المولجين بحماية الطابق الثاني واستلم أمن السفارات الدفة منذ يوم السبت المنصرم.
عند التاسعة من صباح أمس فوجئ «أهل المبنى» بوصول صحناوي برفقة أعضاء اللجنة الفنية المكلفة الكشف على المعدات، يرافقهم ممثل لشركة متخصصة في الأقفال. وبعد دقائق من العمل فكت شيفرة باب «الغرفة السرية»، وأعيد برمجة مفتاح جديد لها.
جال الوزير بين أجهزة الشبكة الثالثة كأن شيئاً لم يكن. كشف خبراء وزارة الاتصالات بشكل أولي على المعدات، على أن يبدأوا عملهم رسمياً يوم الاثنين المقبل.
بالعين المجردة كان من السهل تبيان وجود بعض الأجهزة المفككة بالاضافة إلى بعض الوصلات المقطوعة. توقع البعض أن تكون تلك الأجهزة هي أجهزة الهارد الديسك التي يفترض أن تحتوي على خفايا الشبكة. كذلك ظهر في زاوية الغرفة بعض علب الكومبيوتر المرمية. ربط الأمر بما كان قد ظهر على شاشة التلفزة في أيار الماضي حيث صور بعض عناصر «فرع المعلومات» يحملون حقائب إلى خارج المبنى.
وعلمت «السفير» أن الوزارة ستستعين بشركة «هواوي» الصينية التي ركبت المعدات لمعرفة نوعية الاجهزة المفككة. وبرغم ذلك، فإن الأمل لدى اللجنة في كشف الوظيفة الفعلية لهذه الشبكة يبدو ضئيلاً، لا سيما بعد «مشاهدة آثار التخريب الواضحة والتي مورست من قبل أخصائيين». ومع ذلك ثمة من يجزم من أعضاء اللجنة أنه مهما محيت الداتا من داخل الأجهزة فإن بعضا من آثارها لا يمكن حذفه نهائياً، إلا إذا سحبت أو استبدلت الأقراص الصلبة بكاملها. وعليه، فإن الوصول إلى خلاصات لن يكون صعباً على اللجنة، كما لن يكون صعباً أن تتمكن من معرفة نوعية الاتصالات التي أجريت عبر الشبكة (مكالمات هاتفية، شبكة داخلية، تنصت، تبادل داتا...)، ومع ذلك فإن احتمالات الوصول إلى أدلة دامغة تؤكد مضمون هذه الاتصالات ستكون ضئيلة جداً.
خلال الكشف على معدات الشبكة الثالثة أمس، أضيف عنصر جديد على عمل اللجنة الفنية تمثل في معلومات عن تركيب «فرع المعلومات» لهوائي جديد على سطح مبنى مواجه لمبنى الاتصالات. وأثناء محاولة وفد من الوزارة الكشف على طبيعة الهوائي تبين أن السطح مقفل بطريقة متطورة، وهو ما حاول أحد المعنيين ربطه ببقاء الشبكة الثالثة على الهواء، واستمرار إمكان مشاهدة شعارها على الأجهزة الخلوية ogero telecom، ليخلص إلى التساؤل عن دور مشبوه لهذا الهوائي، الذي قد يسمح في عدم تخلي «الفرع» عن إحدى وظائف الشبكة الثالثة. وعليه، فقد وجهت أصابع الاتهام إلى الطابق السابع المحمي رسمياً من قبل «الفرع»، حيث يمكن أن تكون قد نقلت إليه الأجهزة التي تضمن استمرار هذه الوظيفة المجهولة حتى الآن.
رسمياً، أعلن صحناوي: «هذا يوم سعيد لكل من لا يزال يتمسك بمنطق الدولة ويؤمن بصلابة مؤسساتها. اليوم (أمس) استردت وزارة الاتصالات ما هو ملك وأصل من اصولها، بعد الخروج المدوي على شرعية الدولة، خاض البعض في خلاله معارك لكسر هيبتها. وختم: «ابارك للبنانيين اعادة الاعتبار الى منطق الدولة».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك