عندما قدم رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع في قداس الشهداء عام 2008 اعتذاره العلني باسمه وباسم المؤسسة السياسية التي يرأس عن كل الاساءات التي لحقت بالاخرين – انبرت بعض النفوس المريضة والمتآكلة بالحقد والضغينة والعقد النفسية تستهزىء من هذا التصرف النبيل وترد عليه بالاتهامات الممجوجة والتهجمات العمياء – وقد قفزوا فوق اهمية هذه الخطوة الجبارة وتاريخيتها. واليوم وعشية اللقاء الماروني الرباعي في بكركي بمبادرة من صاحب الغبطة مار بشاره بطرس الراعي، يستذكر اللبنانيون عمق وصدق ذاك الاعتذار وهدفيته والتي يقرأ من خلالها ما يأتي:
اولا: ان جعجع لم يعتذر يومها لمجرد الدعاية الاعلانية او لرغبة في تسجيل موقف بل اعتذر لان "القوات اللبنانية" - ومنذ اقرار اتفاق الطائف - اعتبرت نفسها في حالة مصالحة مع الشركاء اللبنانيين كافة بمجرد الانضمام الى الطائف والى مسيرة بناء الدولة والخروج من الحرب، وبالتالي فان الانضمام الى الطائف كان حجر الزاوية الذي على اساسه وثقت "القوات" بالصفحة الجديدة يومها وبمشروع قيام الدولة فسلمت سلاحها وانخرطت في الحياة الدستورية. تأطرت في المشهد السياسي العام غير مدركة انها ستتعرض لفخ سياسي كبير بعد حين عندما انقلب بعض ارباب الطائف عليه وفرضوا معادلات جديدة على الارض انتهت بحل حزب "القوات اللبنانية" تعسفيا واعتقال جعجع بقرار سياسي خارجي واضح.
وبالتالي ان فعل الاعتذار يومها كان بداية مشوار "القوات" والحكيم في الانفتاح على الاخر رغم رفض الاخر وتماديه في رفضه الاقرار بـ"القوات" وبوجودهم في اكثر من محطة والى يومنا هذا.
ثانيا: عندما اعتذر جعجع عام 2008 اعتذر ليس لان "القوات اللبنانية" الوحيدة التي اخطأت في خلال الحرب وقد قالها بوضوح يومها: "... عندما سقطت الدولة حاولنا انقاذ ما يمكن انقاذه بكل صدق والتزام وحمية وجل من لا يخطىء ..." – بل اعتذر يومها ليفتح ابواب الحوار مع "القوات اللبنانية" ومن "القوات اللبنانية" مع الاخرين – يومها قلبت "القوات اللبنانية" صفحة جديدة فكان قرارها الاستراتيجي بالانفتاح والحوار. وقد شاركت بناء على ذلك في كافة طاولات الحوار مشاركة فاعلة وبناءة تخللها تقديم جعجع لاكثر من تصور ولاكثر من مداخلة ولاكثر من نظرة لاستراتيجية دفاعية موحدة للبنان... متسلحا بانفتاحه للحوار ... ومعتمدا الصراحة والشفافية في التعاطي والثبات في تناول الثوابت والمحرمات الوطنية، في وقت استمر الاخرون في تعنتهم وعجرفتهم وتكبرهم وتعاليهم على الحقائق والتاريخ معتبرين انفسهم منزهين من اي اخطاء ومن اي ارتكابات خلال فترة الحرب وما بعدها...
ثالثا: كانت "القوات اللبنانية" السباقة عبر الدكتور سمير جعجع في نقد نفسها وفي ممارسة مراجعة شاملة لكل الحقبة الماضية من تاريخ الحرب والصراعات الداخلية – وهو الذي عام 2008 وامام ارواح شهداء المقاومة اللبنانية – قالها بايمان وصدق: "... بقلب متواضع صاف وبكل صدق وشفافية امام الله والناس باسمي وباسم اجيال المقاومين جميعا شهداء واحياء أتقدم باعتذار عميق صادق وكامل عن كل جرح او أذية او خسارة او ضرر غير مبرر تسببنا به..." – في وقت لم نر الى الان احدا من الشركاء الاخرين في الوطن وفي الحرب وفظاعاتها يبادلون "القوات اللبنانية" الاعتذار عن الجروحات والاذية والاضرار والخسائر التي الحقوها بمقاومة لبنانية شريفة ونزيهة كانت تحافظ على الدولة وما تبقى منها والتي ولولاها لما تمكن اتفاق الطائف من ايجاد ارضية الحد الادنى لاطلاق ورشة الدولة واعادة البناء – ما يؤكد ان المشكلة لم تعد عند "القوات اللبنانية" وان الماضي لا يزال ماثلا عند الاخرين وليس عند "القوات" – وقد استطاعت "القوات اللبنانية" التغلب على مأسيها وعلى جروحها وعلى دماء شهدائها من اجل لبنان مرة ثانية. ولبّت ولا تزال تلبي نداء الحوار والانفتاح والمصافحة والاعتراف بالاخر في وقت هذا الاخر من بعض قوى "8 اذار" لا يزال يحاول اقصاء "القوات" وعدم الاعتراف بحق في وجودها حتى، فهم لم يعتذروا ... ولم ينفتحوا على "القوات" كاحد المكونات الاساسية في المشهد الوطني والمسيحي اللبناني...
فمن يعيش في الماضي يبقى اسير هذا الماضي...
فـ"القوات اللبنانية" من جهتها خرجت منه الى رحاب المستقبل...
ولذلك نراها اليوم لا تحرج ولا تحشر ولا تخاف ولا تقلق من اي انفتاح ومن اي لقاء ومن اي مصافحة ... وقد قالها الدكتور جعجع بالامس :"... ساحاول الذهاب الى ابعد من الصورة..."، لان قدر "القوات اللبنانية" ان تبقى تنظر دائما الى ما هو ابعد... من اجل لبنان حقيقي...
لذلك كله مشاركة "القوات" في اللقاء الرباعي في بكركي تأتي في سياق طبيعي ومنسجمة مع مسيرتها التصالحية ومع وانفتاحها واصالتها المسيحية واللبنانية... فعسى ان يسير الشركاء المسيحيون الاخرون في الوطن على طريق الخروج من الماضي والشكليات من اجل بناء الجوهر: شركة... ومحبة...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك