باريس :
لا قوات برية غربية إلى ليبيا، تكثيف للغارات لا أكثر، كما وعد رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فييون، والدفاع عن مصراتة مؤجل، إلى أن تقرر الولايات المتحدة العودة إلى القتال، وسقوط المدينة الذي يلوح في الأفق مع استمرار المذابح فيها، يفتح الطريق أمام سيطرة الرئيس معمر القذافي على الغرب الليبي، وتكريس التقسيم واقعا على الأرض.
الزيارة الفرنسية الثالثة لمصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، لم تتوج بالنتائج التي راهن على الحصول عليها قادماً من بنغازي، خلافاً للزيارات الماضية، التي أفضت الواحدة منها بعد الأخرى إلى نيل الاعتراف بالثوار في مرحلة أولى، والتمهيد في مرحلة ثانية لاستصدار القرار 1973 الذي جعل من بنغازي، عاصمة الثورة الليبية، خطاً أحمر أمام أرتال الكتائب الأمنية، وفتح الباب مشرعا أمام غارات طائرات التحالف لتحطيم جزء كبير من الآلة العسكرية لقوات القذافي.
وبخلاف ما أعلنه وفد ضم إلى عبد الجليل، مسؤول الشؤون الخارجية علي العيساوي وعضو المجلس احمد عبد الرضا العبار، كان أعضاؤه قد طلبوا إرسال قوات برية لمساعدة الثوار في المعارك الجارية ضد قوات القذافي، لا سيما في مصراتة المحاصرة، فإنّ العواصم الغربية الثلاث في باريس وروما ولندن ردت بلاءات مهذبة. وعرض الغربيون على طالبي النجدة الليبيين بعثات عسكرية تضم بضعة مستشارين، تتراوح مهمتهم بين إعادة تقييم حاجات الثوار وتنظيم توزيع المساعدات الإنسانية، بحسب بريطانيا التي أعلن وزير خارجيتها وليم هيغ، الأكثر حذراً من الانزلاق في حرب تأباها واشنطن، وفرنسا التي حرص الناطق باسم حكومتها فرانسوا باروان على التأكيد على «ضآلة عدد المستشارين الفرنسيين الذين يقل عن عشرة». وترك لعلي العيساوي أن يحدد أن مهمتهم هي في الأغلب فنية و«تقنية تعيد تنظيم قوات الثوار عسكريا».
ومنذ تعميم المذابح على المدن الثائرة، التي تحاصرها قوات القذافي في الغرب الليبي خاصة، لا سيما مصراتة، وسقوط ما لا يقل عن ألف قتيل وثلاثة آلاف جريح فيها، سقطت كل تحفظات الساعات الأولى للثورة على نزول قوات أجنبية الأراضي الليبية ومشاركتها في القتال. «كنا في السابق نطالب بألا يكون هناك تدخل أجنبي، لكن ذلك كان قبل أن يلجأ القذافي إلى قصفنا بالطائرات وصــــواريخ الغراد»، توضح رسالة قائد الثــــوار في مصراتة المحاصرة نوري عبــــد العاطي، التي حملها وفد المجـــلس الوطني الانتقالي إلى باريس: «إذا لم تأت القوات البريــة لنجدتنا، فسنموت هنا جميعا».
وما طرحه الوفد الليبي في باريس، ردده المتحدث باسم المجلس الانتقالي عبد الحفيظ غوقة في بنغازي، قائلاً إن «حماية المدنيين تقتضي توفير الممرات الآمنة لإيصال الغوث الإنساني... وإذا كان ذلك لا يتأتى إلا بقوات برية هي التي توفر هذا الملاذ الآمن، فلا ضير من ذلك على الإطلاق، وهذا يدخل ضمن آليات الأمم المتحدة».
وتعود طائرات الأطلسي إلى قواعدها الإيطالية منذ أيام محملة بقنابل لم تستطع إلقاءها على قوات القذافي لتخفيف الحصار عن مصراتة «بسبب نقص الضمانات في أداء المهمة على أكمل وجه وتفادي وقوع خسائر في صفوف المدنيين». ومنذ أن اخترقت الكتائب الأمنية الأحياء السكنية للمدينة الليبية الثالثة، التي يقطنها 400 ألف نسمة، عادت أسراب كثيرة من قوات الناتو بحمولاتها لعجزها عن القيام بمهمتها من دون التعرض للمدنيين.
وقدم العيساوي مطالعة للفرنسيين تحثهم على قراءة القرار 1973، وفي ما يتجاوز تحريمه لنزول قوات أجنبية، وهو ما يتمسك به المعارضون لأي قوات برية، والاجتهاد بفعالية في تفسير دعوته إلى حماية المدنيين بكل الوسائل، بما فيها التدخل، وعدم الحاجة إلى استصدار قرار دولي، يعبر عن إجماع الأسرة الدولية على حماية الشعب الليبي، ويصطدم حكماً بفيتو روسي. وكــــان وزيـــر الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أعاد التذكير بأن القرار «لا يسمح لأي دولة باستخدام القوة لإسقاط أي نظام تحت أي حجة».
وقال العيساوي في مؤتمر صحافي في مركز استقبال الصحافة الأجنبية في باريس إنه «لو تم تفعيل الفقرة الخاصة بحماية المدنيين في القرار 1973 لكن الأمر كافيا، ولما كان هناك من حاجة لتسليح الثوار»، مشيراً إلى أن «هناك قصوراً واضحاً في حماية المدنيين، ولم تعد الغارات الأطلسية تكفي لحمايتهم من اعتداءات قوات القذافي».
وبرغم ما قاله الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن «استعدادنا لمساعدتكم من دون قيد أو شرط»، حسبما نقل عنه مصدر في الاليزيه، بعد لقائه وفد الانتقالي الليبي، إلا أنه لا يبدو واضحا كيف يمكن فرنسا أن ترسل قوات لخوض معارك شوارع في مصراتة، ومنع دخول قوات القذافي إلى المدينة. أما العيساوي فحذر من أنه «بعد سيطرته فقط على مصراتة، سيقبل القذافي بوقف لإطلاق النار وتتحول خطوطه عندئذ إلى خط للتقسيم كما يأمل».
والأرجح أن الفرنسيين والايطاليين والبريطانيين يجهلون ما يعرفه جو بايدن نائب الرئيس الأميركي، وان كان بوسعهم الانتقال إلى عمليات برية، والتعويض عن غياب الولايات المتحدة في العمليات الهجومية، برغم ما يرددونه عن عجزهم وحدهم عن أداء المهمة في ليبيا، وقولهم بأن «الأمر لا يتعلق بالإمكانيات بل بالإرادة السياسية».
ورفض نائب الرئــــيس الأميركي جو بايدن، مرة إضافية أمس، الاستجابة لدعوات حلـــفائه للعودة إلى المشاركة في العمليات القتالية قـــــائلاً «الناتو وحده قادر على أداء المهمة، ولا يمكـــننا أن نقوم بكل شيء وحدنا».
وقال البيت الأبيض إن الرئيس باراك أوباما ما زال يعارض إرسال قوات برية أميركية إلى ليبيا لكنه يؤيد إجراءً فرنسياً وبريطانياً لإرسال مستشارين عسكريين لمساعدة الثوار. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني إن «الرئيس بالطبع يعلم بهذا القرار ويؤيده ويأمل ويعتقد أنه سيساعد المعــــارضة... لكنه لا يغير بأي حال سياسة الرئـــيس بعدم إرسال قوات برية أميركية».
ولكن ما البدائل في غياب المشاركة الأميركية، وتراجع فعالية الغارات العسكرية في وقف زحف الكتائب الأمنية وتمددها، برغم تكثيفها الموعود؟ أن تؤتي العقوبات ثمارها، وأن يؤدي حجب واشنطن وحدها لـ120مليار دولار عن القذافي إلى منعه من تجديد قوته العسكرية والسياسية، ولكن على المدى البعيد، بعد سقوط مصراتة. «نحن نسعى إلى الحصول على جزء كبير من الأموال المجمدة وقد طالبنا بذلك الأمم المتحدة تطبيقا لقرارها ونصه على حق الشعب الليبي بهذه الأموال، لأننا لا نحوز أكثر من 40 في المئة من الأموال التي نحتاجها» قال العيساوي. أما البديل الآخر فهو أن تدخل «قوات عربية وإسلامية وصديقة»، وفي هذا الإطار فإن «كــــل الخيارات الأخرى متاحة» حسبما أوضح العيساوي.
ولكن القوات المصرية الأقرب إلى ليبيا غير قادرة في ظروف مصر الحالية على التدخل، والجزائر متهمة «بتقديم إمدادات ومعونات إلى القذافي لا نريد نشرها الآن»، أضاف العيساوي، أما دول الخليج فيشغلها درع الجزيرة شرقاً في البحرين واليمن غرباً، والاتحاد الأفريقي على الأرجح غير مرحب سياسياً وعسكرياً.
ولم توفر عمليات القصف على مصراتة الصحافيين حيث قتل مراسل مجلة «فانيتي فير» الأميركية تيم هيذرينغتون وجرح ثلاثة صحافيون آخرون أحدهم إصابته خطيرة، جراء إصابتهم بقذيفة هاون.
وعلى الجبهات الأخرى، قصفت طائرات الأطلسي قوات تابعة لمعمر القذافي قرب مدينة أجدابيا في شرقي ليبيا، فيما شنت غارات على منطقة بئر الغنم التي تبعد نحو 50 كيلومترا جنوبي غربي طرابلس، فيما ذكر التلفزيون الليبي أن طائرات حلف شمال الأطلسي شنت ضربات جوية على بنية الاتصالات ومحطات إذاعية وتلفزيونية في عدد من المدن الليبية.
في هذا الوقت (رويترز، أ ف ب، د ب أ) نقلت قناة «العربية» عن سيف الإسلام القذافي أن نظام والده سيهزم المعارضة، وان دستوراً جديداً للبلاد جاهز لاعتماده بعد هزيمتها. واتهم سيف الإسلام المجلس الوطني الانتقالي المعارض بأن «ما يحركه هو مطامع السلطة والثروة النفطية»، مشدداً على أن «ليبيا لن تعود كما كانت وان عصر الجماهيرية الأولى ولى ونحن نعد مشروع دستور جديد».
وكانت لقطات مصورة بثها التلفزيون الليبي قد أظهرت معمر القذافي يجتمع مع مسؤول محلي في طرابلس. وظهر في اللقطات عشرات المؤيدين للقذافي وهم يتسلقون عموداً ويلوّحون بأعلام خضراء ويردّدون هتافات ويرقصون.
ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية عن وزير الخارجية الليبي عبد العاطي العبيدي قوله إن الحكومة الليبية قد تجري انتخابات وأيضا استفتاء بشأن مستقبل القذافي إذا توقفت الضربات الجوية الغربية. وأوضح أنه «إذا توقف القصف فيمكن بعد ستة شهور إجراء انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة»، مشيراً إلى أن الانتخابات «قد تغطي أي قضية يجمع علـــيها الليبيون. وأي شيء يمكن أن يطرح على المائدة بما في ذلك مستقبل القذافي كزعيم».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك