لم يتردّد سامي الجميل لحظة ترجّله من سيارته "المتشحة بالسواد"، في استعجال خطواته لبلوغ عتبة قصر "البيك" في بنشعي، وكأنه يسابق الزمن، الذي نجح في اقتناصه. ابتسامة عريضة لا بدّ منها، تفيض ثقة زائدة بالنفس، لم ينتظر في الأصل، "الفيزا البطريركية" كي يجتاز "حاجز المدفون" باتجاه معاقل الخصوم، وتحديداً بنشعي. يوم فعلها للمرّة الأولى، في الرابع من تموز 2009، لم يلتفت وراءه، ولم يأبه لسيل الانتقادات التي قد تلاحقه، في العلن كما في الصالونات المغلقة، من جانب حلفائه.. قبل خصومه.
يجلس "الشيخ" في حضرة "البيك" مُحرّراً من أثقال التاريخ وآلامه. يترك لسانه على سجيته، أما الخجل الذي يغلب على محيّا الزعيم الزغرتاوي، فقد لا يسمح له بنفش "ريشه". هو الذي نجح في كسر حواجز الماضي والقفز فوق مطبات الحاضر، وإن سبق له ولضيفه أن دوّنا في سجلهما الثنائي، اجتماعين، اقتحما حواجز الاصطفافات السياسية، في لحظة كانت المعارضة (8 آذار) تخوض فيها معركة "الثلث المعطّل" للسماح بولادة حكومة سعد الحريري، كان سليمان فرنجية يستكشف بكفيا، وقصر آل الجميل... و"كرم" مائدته. ليشعل مع سكانه فتيل سراجهما، علّهما ينجحان في لملمة "فتات" القواسم المشتركة، ليبعدا "لعنة" التفاصيل الشيطانية، وليعطّلا مهمة "الحسّاد" والمصطادين في الماء العكر، بأقلّ الإنجازات من "حواضر البيت".
بعد أقل من سنتين على "حجّه" الأول إلى "العرين الزغرتاوي"، لم يجد "الشيخ الجميلي" صعوبة في الاتفاق مع ضيفه على جدول أعمال، بقي هلامياً، مستلهماً مناخ "عاصمة الموارنة". "قمّة ديوك الموارنة" أطلقت الإشارة الخضراء، ويكفي بعض المبادرات لتوسيع الحراك في البركة المسيحية التي كانت مياهها راكدة لفترة من الزمن..
"الكيمياء" المتفاعلة بين "البيك" و"الشيخ" قادرة على تقليص "اللياقات البروتوكولية" إلى حدودها الدنيا. سامي يكنّ كل الاحترام لسيّد بنشعي، وسليمان يرتاح للاندفاعة السياسية الطاغية على "بروفيل" النائب الشاب.
بين "المردة" و"الكتائب" الكثير من الخصومات: الاستراتيجية السياسية، الخيارات التحالفية، وأساليب العمل وعدّتها. ولكن بينهما أيضاً قليل من المساحة المشتركة الممكن "فلشها" في لحظات "ذهبية": فتمايز الصيفي عن بيت الوادي، يزيد من مساحة الاستقلالية عند سامي كونه من دعاة التمايز بين الصيفي و"المستقبل"، وتمنحه علامة إضافية على "كارنيه" بنشعي. والانفتاح الذي يبديه "الفتى الكتائبي"، تجاه الأبعدين قبل الأقربين، يزيد من رصيده في "بنك" الخصوم، ويفسح له موقعاً في صالوناتهم، لا سيما بعد "التمريرة الوجدانية" التي سجّلها خلال إحدى الحلقات التلفزيونية ردّاً على سؤال عن رأيه بمجزرتي اهدن والصفرا، إذ اعتبر يومها أنه كان بالإمكان معالجة الخلافات بطريقة أخرى.
وبينهما أيضاً سمير جعجع. الغائب الحاضر في كلّ لقاء جمع مارونييْن، ليكون ثالثهما. سواء أكانا حليفين، أم خصمين. نجل طوني فرنجية، الذي لم ينتظر المصافحة كي يصفح، لا يراهن على مصالحة تدمج "ألوية" "المردة" مع "القوات". وسامي أمين المتربّع على "عرش" وراثة الحزب، لا يدير «ظهره»، لحليف في الاستراتيجية، وشريك مضارب في الصحن الجماهيري... لتصبح "خصومة الخصم"، التقاء الضرورة.
لا يلامس سقف طموحات الرجلين، أن يُقنع أحدهما الآخر بخياره السياسي، لأنهما يحترمان خصوصية كل فريق وتوجهاته السياسية. ولكن لا بدّ من تجديد "الكريات الحمراء" في "عروق" الحوار، من فترة لأخرى، كي لا تُقطع أنفاسه. التواصل القائم بين كوادر الفريقين، سهّل من تدفّق المياه في مجاري العلاقة، ولقاء بكركي سرّع عقارب ساعته.
ولأن "عصا" البطريركية نفضت الغبار عن قضايا مشتركة تهمّ المسيحيين، كلّ المسيحيين، فكان لا بدّ من تفعيل التواصل المتقطّع بين بكفيا وبنشعي، على قاعدة الملفات التي أثارتها القمة المارونية التي احتلت بالأمس الطاولة الزغرتاوية، علماً بأن كل فريق من الرباعي الماروني سيتولى تحضير مجموعة أوراق تعبّر عن وجهة نظره من القضايا المثارة، على أن تتولى لجنة الأساقفة الإعداد لملف شامل يعرض أمام القمة الثانية في موعدها الجديد كي يكون اللقاء مجدياً ومثمراً.
إذاً هي "فلفشة على الواقف" للهواجس المسيحية التي أيقظتها بكركي، من سبات قسري فرضته خلافات القادة، التي تحاول اليوم مجاراة سفينة "أرجوانية"، يقودها البطريرك من دون رادار... لكنه على الأقل، يدرك جيداً وجهته.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك