فادي عيد
الجمهورية
تتّجه العلاقة بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي و"حزب الله" إلى التأزّم في المرحلة المقبلة، في ضوء الرفض الصريح للحزب لأيّ بحث في تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بصرف النظر عن كلّ التداعيات التي قد تترتّب على الحكومة أوّلا لجهة بقائها، وعلى الدولة اللبنانية ثانياً لجهة تعرّضها لمقاطعة المجتمع الدولي،على خلفيّة عرقلة العدالة الدوليّة.
ومع اتّساع التباين في المواقف بين الرئيس ميقاتي وأركان الأكثرية، فإنّ التجاذب داخل مجلس الوزراء عشيّة البدء بمناقشة هذه المسألة، رأت فيه مصادر نيابيّة معارِضة وجهاً من وجوه المناورة السياسية المعتمدة إزاء المحكمة الدولية منذ قيام الحكومة الحالية، معتبرة أنّ أيّ مواجهة فعليّة بين ميقاتي والفريق السياسي الذي يدعم المحكمة الدولية لن تؤدّي إلّا إلى فرط عقد ألأكثرية الحاليّة وإعادة رسم خريطة جديدة للواقع السياسيّ، وهو أمر مستبعَد في ظلّ الظروف الإقليمية الراهنة والتي تضغط على الساحة اللبنانية سياسيّا وأمنيّا على حدّ سواء. وبالتالي فإنّ اقتراب موعد تجديد التزام لبنان تمويل حصّته في المحكمة الدولية، والذي يتزامن مع أواخر العام الحالي، سيضع الرئيس ميقاتي أمام احتمالين لا ثالث لهما، إمّا الاستقالة بعد الاصطدام مع معارضي المحكمة، وعلى رأسهم "حزب الله"، وإمّا الاكتفاء بإحالة المسألة إلى المزيد من النقاش داخل المؤسّسات الدستوريّة، ورمي الكرة باتّجاه المجلس النيابي. واعتبرت المصادر أنّ "حزب الله" الذي يتحاشى التداول بهذا الملفّ الجدليّ في الإعلام، وجّه أكثر من إشارة إلى رئيس الحكومة، كما إلى من يعنيهم الأمر بهذا الملفّ يؤكّد فيها استمرار مقاطعته للمحكمة ورفضه الامتناع عن تمويلها تحت أيّ شكل من الأشكال أو العناوين، وبصرف النظر عن النتائج التي قد تترتّب على لبنان في مجلس الأمن. في المقابل فإنّ رئيس الحكومة بدأ يبتعد عن إطلاق المواقف العالية السقف والمؤكّدة على التزام حكومته بدفع حصّة لبنان من تمويل المحكمة، مشدّداً على فريقه السياسي بتحاشي مناقشة هذا الموضوع على أيّ صعيد.
وكشفت المصادر نفسها أنّ الفرز السياسيّ على مستوى الأكثرية داخل مجلس الوزراء سيجعل من الرئيس ميقاتي إلى جانب كلّ من وزراء الحزب التقدّمي الاشتراكي، كما الوزراء "الوسطيّين" فريقاً في مواجهة فريق 8 آذار، ولكنّه لن يستطيع أن يؤثّر على موقف "حزب الله" الرافض للتمويل.
واستبعدت المصادر النيابية أن يكون مصير الحكومة مهدّداً بالفعل، مشيرة إلى أنّ رئيسها الذي استفاد من الصدام بين "حزب الله" والمعارضة عندما أسقط الحزب حكومة سعد الحريري، لن يعود إلى اعتماد أيّ سياسة شبيهة بسياسة سلفه، خصوصاً في مجال المحكمة الدوليّة بعد صدور القرار الاتّهامي، لأنّ مصير سقوط حكومته سيكون حتميّا. وكشفت عن محاولة يقوم بها لتدوير الزوايا عبر الاقتراب من الموقف الدولي الداعي إلى التزام لبنان بقرارات الأمم المتّحدة خلال لقاءاته مع موفدين وديبلوماسيّين غربيّين، بموازاة التأكيد على متانة وضعه السياسي والتضامن مع "حزب الله" في مجالات أخرى سياسيّة وأمنيّة، وصولاً إلى تحاشي التطرّق إلى الملفّات الإقليميّة، وبشكل خاص الأحداث الحاصلة في سوريا. وأضافت أنّ ميقاتي غير قادر، ولا يريد تعريض حكومته للخطر، على الرغم من أهمّية المحكمة بالنسبة إليه وإلى شارعه المؤيّد للعدالة الدوليّة، ولن يلجأ إلى هذه الخطوة إلّا إذا راجع حساباته جيّداً ووجد أنّ حظوظ عودته مجدّداً إلى رئاسة الحكومة مرتفعة، إذ عندها قد ينفّذ مناورة سياسيّة ذكيّة تسمح له بالتهرّب من أيّ التزام إزاء المحكمة عبر الاستقالة وتعيده مجدّداً إلى موقعه الحاليّ متسلّحاً بموقف تاريخيّ، ولكن من دون الإقدام على أيّ خطوة عملية على صعيد تمويل المحكمة الدولية، وذلك نظراً لاقتناعه بأنّ هذا الملفّ يهمّ حلفاءه أكثر ممّا يهمّهم الحكومة أو حتى الواقع السياسيّ برُمّته!