للمرة الأولى منذ مئتي عام، يشهد زعيم المختارة حفيده. حصل هذا مع وليد جنبلاط. لكن رغم أنه رأى حفيده الذي سُمي فؤاد، تيمّناً بجد أبي تيمور. إلّا أن قلق الرجل ما زال يزداد يوماً بعد آخر. القلق الحالي لا ينبعث من تراجيديا عائليّة مستمرّة منذ قُتل بشير جنبلاط، بل هي تنطلق من خشية الرجل من تصاعد حدّة التباين السني ـــــ الشيعي ليصل إلى حدود الصراع.
في عمقه، يعرف جنبلاط أنه عاند القدر. لكن يبدو أن هذا القدر يُعانده لجهة عدم انجرار البلاد إلى صراعٍ سني ـــــ شيعي. يُردّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ضرورة استعادة التواصل بين زعيم تيّار المستقبل الرئيس سعد الحريري، ورئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله.
يعتقد جنبلاط أن السياق الذي تسير باتجاهه الأمور في لبنان يُنذر بعواقب غير معروفة، لكنّها ستؤذي الجميع. التواصل المقطوع لا يؤدّي إلّا إلى المزيد من التأزيم. يُحاول طرح المبادرات لجمع هذه الأطراف، ولم ينجح حتى اللحظة. فبعد اتصاله بالحريري ليطلب منه التواصل مع الرئيس نبيه برّي، الذي انتهى بدون جواب إيجابي من الحريري، التقى جنبلاط الرئيس فؤاد السنيورة على طاولة صديق مشترك، ليطلب منه الدفع في الاتجاه عينه، «لكن السنيورة لا يستطيع فعل أي شيء بدون موافقة الحريري». هذا كلام قاله جنبلاط للحريري وللسفيرة الأميركيّة ميشيل سيسون في عام 2008؛ إذ في أوج خلافه السياسي مع حزب الله، أصرّ على عدم انقطاع التواصل، وهذا ما أكّدته وثائق ويكيليكس المنشورة عن تلك المرحلة.
يرسم جنبلاط صورةً ليست مشرقة. رفع سعد الحريري سقف خطابه في 13 آذار الماضي. خلع سترته، وخلع معها السقوف السياسيّة التي كان ملتزماً بها. أعلن رفضه السلاح، «طيّب وما الخطوة التالية؟»، يسأل جنبلاط. يُضيف: «أنا أعرف هذه الوقفة جيداً. أعرف كيف ينجرّ الواحد منّا وراء الجمهور المحتشد، والمشكلة أن الجميع سيدفع الثمن». يعتقد جنبلاط أن على الحريري العودة خطوة إلى الوراء.
لكن لماذا الحوار مع الحريري؟ يُجيب جنبلاط بوضوح: «شئنا أو أبينا ما زال الممثّل الأوّل للسنّة».
ينظر الرجل إلى خريطة المنطقة. كلّ دولة مشغولة بما يجري داخل حدودها، والمحافظة على استقرارها. الجامعة العربيّة باتت غير موجودة. الثورات العربيّة تنحرف عن سياقها في أغلب الدول. لذلك، يعتقد أن لا أحد يجد نفسه مسؤولاً عن طرح مبادرةٍ لحلّ الأوضاع في لبنان، أو تسوية لعدم جرّ الأمور إلى الانفجار، «كلّ دولة مشغولة بنفسها، وما علينا إلّا الحوار لحلّ مشاكلنا».
عندما يُسأل جنبلاط عمّا يُمكن أن يفعله هو، يُجيب بحدّة: «ماذا أفعل أكثر من هذا؟ أدعوهم للحوار. هم القادرون على التحاور لتجاوز هذه المرحلة».
لا يرغب زعيم الاشتراكي في الحديث كثيراً عن الملف الحكومي. يرى أن العقبات الموجودة ليست عقبات غير قابلة للحلّ، لكنه يستغرب عدم تأليفها حتى اليوم. لا يُريد أن يُحمّل المسؤوليّة لطرف دون آخر، لكنّه يعرف تماماً أن التأخير يضرّ على مختلف الصعد. هو يرى الدولة تتفكّك أمامه. الإدارة تفرغ يوماً بعد آخر. شغر منصب رئيس أركان الجيش، وبعد أسابيع قليلة يشغر منصب حاكم مصرف لبنان. التمرّد في سجن رومية مشكلة قديمة تأخّرت الدولة في إيجاد حلول جذريّة لها، وهي قابلة للتفاقم، «وقد أخبروني عمّا يجري في رومية، هذا أمر غير مقبول بتاتاً». اختطاف الأستونيين السبعة واستمرار اللغز حولهم من دون تحقيق تقدّم جدي في التحقيقات. موضوع التعديّات على المشاعات الذي انفجر جنوباً في الأسابيع الماضية. يُعدّد جنبلاط هذه الملفّات وهو يُدرك أنها كلها دليل على تفكّك الدولة. هل هي أزمة نظام؟ يُجيب الرجل: «النظام مأزوم من البداية، لكن لا يُمكن تغييره اليوم، علينا أن نُؤلف الحكومة».
يقول الرجل إن تأليف الحكومة يُمكن أن يُسهم في الحدّ من التدهور، لكنّه يُكرّر مجدداً: «الأساس هو الحوار السني ـــــ الشيعي». هذه هي الكلمة ـــــ المفتاح لديه.
يُحاول جنبلاط أن يسدّ بعض الثغر الناشئة عن الفراغ الحكومي، والفراغ في الإدارات، «أعمل مع أحد الأصدقاء على تزويد بلدة بقعاتا بالمياه عبر ربطها بقنوات من المياه التي تمرّ بالمختارة آتيّة من الباروك، عبر قنوات بناها جدي بشير جنبلاط، وقلّده الأمير بشير الشهابي بجرّ المياه من نبع الصفا إلى بيت الدين، وأعتقد أننا سننتهي من العمل في شهر تموز وسنُسلّمها لمصلحة مياه الباروك لتُديرها».
إلى ذلك، يعمل جنبلاط على تحويل مزارع البقر المنتشرة في الشوف إلى مزارع بقر نموذجيّة، «وذلك بعدما اكتشفنا أن هذه المزارع منتجة في الجبل، وسأزود المزارعين بأراضٍ، وهم يقترضون من مؤسسة كفالات، وقريباً يبدأ العمل بأول مزرعة. وسنسعى إلى تحويل مزارع الدجاج إلى مزارع تلتزم المعايير العالميّة المعتمدة خصوصاً لجهة البيئة».
وفي الملف السياسي في الشوف، يلفت جنبلاط إلى أن الأمور باتت أفضل مع إقليم الخروب، وقد أسهمت انتخابات نقابة المهندسين إيجاباً على هذا الصعيد، وخصوصاً مع انتخاب رئيس بلديّة داريا محمد بصبوص عضواً في مجلس النقابة بدعمٍ من الحزب التقدمي الاشتراكي. «وهناك علاقات اجتماعيّة وسياسيّة وعائليّة قديمة مع الإقليم»... هذا ما يجعل الرجل واثقاً من استعادة علاقته التاريخيّة مع الإقليم.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك