القيادات اللبنانية متّفقة على احترام الدستور، وعلى ضرورة وقف التعديات على الأملاك العامة، ولنهنأ، فرئيس الجمهورية يصرّ على التشبّث بالدستور، سواء أكان في معالجة مسألة تأليف الحكومة أم في أي أمر آخر، ولن نصدق من يدّعي أن الرئيس أتى بطريقة غير دستورية. فلم يُنتخب إلا بعد تعيينه في الدوحة من الأطراف المشاركة في معركة السابع من أيار، المهزوم من هذه القوى والمنتصر في المعارك.
انطلاقاً من حرص الرئيس على الدستور، هو يصرّ على أخذ حصته في التشكيلة الوزارية وزارة الداخلية والبلديات (وكل المواطنين) لمصلحة زياد بارود، والأفضل أن تؤول إلى صهره.
أما ممثّل المسيحيين في لبنان، العماد ميشال عون، فهو لا يزال يتابع الصحف لمعرفة آخر تفاصيل التشكيلة الحكومية، لأنه، بحسب الاتصالات التي يجريها (صهره) الوزير جبران باسيل، لا جديد في المفاوضات التي يشارك فيها علي حسن خليل وحسين الخليل والرئيس المكلف نجيب ميقاتي.
والعماد عون يغمز من قناة ميقاتي بأنه ينتظر حسم الثورة في سوريا كي يؤلّف حكومته، بعدما كان ينتظر مرور ذكرى 14 شباط، ثم تلكّأ بانتظار معرفة حجم الحشد في يوم 13 آذار، ثم عاد وتريّث ليعرف مضمون القرار الاتهامي للمحكمة الدولية في اغتيال رفيق الحريري، وبعدها انتظر لمعرفة مصير الثورات العربية، والآن هو ينتظر، فإذا سقط النظام في سوريا، فلن يعطي حقيبة الداخلية لجبران باسيل، وإذا انتصر النظام هناك، يتخلى عن الحقيبة المذكورة.
عون يطالب بحقوق المسيحيين التي يحجبها ميقاتي زوراً وبهتاناً، ويحاول إمرارها إلى رئيس البلاد في صفقة غامضة بين الرجلين، يبدو أن تفاصيلها لن تُعرف قريباً، اللهم إلا إذا زلَّ لسان سليمان بها أمام السفيرة الأميركية أو أمام وفد زائر من واشنطن.
طبعاً النائب علي حسن خليل وحسين الخليل قلّما يتحدثان عن آخر التطورات، ولكن لا يظننّ أحد أن أياً منهما أو كليهما، أو من يمثّلان، ضد الدستور، بل على العكس تماماً، فهما ومن يقف خلفهما، ضد تحويل الدستور إلى مطية، ويلتزمون به كاملاً.
نجيب ميقاتي من جهته أكثر الناس غموضاً، يحاول التملّص من تقديم جملة واحدة مفيدة كي لا تسجّل عليه ويصبح مطالباً بها لاحقاً، وهو في هذا المجال يصرّ على التزام الدستور بحرفيّته، وما دام الدستور لم يذكر شيئاً عن وزارة الداخلية، فهو يحاول العودة إلى الجذور. فمن حق أي طائفة هذه الوزارة؟ وهل اختلاسها من عون وتهريبها إلى رئيس الجمهورية يقوّيان موقع رئيس الحكومة أم يضعفانه؟
وحتى يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود، يعمد ميقاتي إلى إطلاق مواقف وسطية ناعمة إعلامياً، بينما يسعى إلى حشد أكبر قدر ممكن من التأييد في الشارع من أبناء طائفته، ولكن سراً، حتى لا يستفزّ تيار المستقبل وسعد الحريري، فيؤلّبا الجمهور السنّي علىه، ونعود إلى بدء حملة من المواقف المعتدلة لتهدئة الخواطر.
الرئيس نبيه بري يصلّي ليهطل المطر على صحراء تأليف الحكومة، والنائب وليد جنبلاط يدور بين القصور لتسهيل ولادة دون دنس لحكومة مؤلّّفة من أكثرية جديدة، ووئام وهاب يخرّّب، وطلال أرسلان يقفز في مقعده وهو يشكو الغبن اللاحق بالزعامة الأرسلانية التاريخية، بينما طرابلس لا حديث لها سوى الظلم الذي لحق بآل كرامي، وحزب الله يخطّط لمعركة السيطرة على لبنان انطلاقاً من مقعد وزارة الداخلية. أما سعد الحريري، فغاضب لأن نقولا نحاس لم يف بوعده بإقصاء الوزير شربل نحاس مهما كلّف الأمر.
ثم يعود رئيس الجمهورية الحامي للدستور فيجد نفسه مضطراً إلى تأكيد ضرورة الانتباه إلى المرحلة «داخلياً وخارجياً»، في قراءة ملهمة للوضع المشتعل في المنطقة.
في هذه المعمعة يخرج تيار المستقبل بعد اجتماع له لينتقد التأخير في تأليف الحكومة، إذ إن البلاد بحاجة إلى متابعة جدية في الوضع الحالي، وخاصة «في ظل تفاقم الأوضاع الأمنية في البلاد، والتراجع غير المطمئن في مختلف المؤشرات الاقتصادية والمالية، واستمرار ارتفاع أسعار المحروقات عالمياً، والاضطراب المتزايد في الأوضاع العامة في البلدان العربية المحيطة بلبنان»، إذ إن تيار المستقبل بعد خروجه من السلطة اتخذ الخط الماركسي اللينيني المتشدد، وشمّر فؤاد السنيورة عن ساعديه ليلقّن النظام الطائفي العفن في لبنان درساً لا ينساه، بعدما حكمنا هو وقبله صديقه، ومن بعده ابن صديقه نحو عقدين من الزمن.
طبعاً العماد ميشال عون يرفض استخدام الدستور كممسحة، وسيكون له ردّ على كل من تسوّل له نفسه استخدام الدستور كممسحة. فعلاً، الدستور ليس ممسحة، ولكنْ البلاد وأبناؤها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك