آخر نهفات "نظرية المؤامرة" كما يدمن عليها قوم الممانعة هي توصيف رئيس المجلس نبيه برّي للتأخير المريع في تشكيل الحكومة العتيدة على أنّه "مؤامرة وإن يكن من دون قصد". نحن والحال هذه أمام تجديد ثوريّ لمفهوم المؤامرة!
فكيف يمكن أن تكون هناك مؤامرة من دون قصد؟ أليسَ القصد هو العنصر الأساسيّ في إتمام أي مؤامرة؟ أليست المؤامرة هي تدبير سرّي مقصود من ألفه إلى يائه؟
كانت المشكلة القديمة الجديدة مع "نظرية المؤامرة" أنّها تميل إلى تفسير كلّ الأحداث والأشخاص والمواقف بمقصد واحد، وبمحرّك واحد لهذا المقصد من وراء الستارة.
وبعدها، تطوّرت "نظرية المؤامرة"، أي تدهورت على يد الممانعة، ليصار إلى الحديث عن "مؤامرة مكشوفة" و"مفضوحة"، أي مؤامرة تلقائية وعفوية ومعروفة سلفاً والجميع ينادي إلى أصحابها بالإسم ويشهّر بهم من على المنابر والفضائيات. وهنا صار السؤال يطرح عمّا يبقى من فعل تآمريّ عندما يصير هذا الفعل مكشوفاً إلى هذا الحدّ.
لكنّنا الآن، يبدو أنّنا انتقلنا إلى نظرية جديدة، فبدلاً من "المؤامرة المفضوحة" صرنا إلى "المؤامرة غير المقصودة". وهذه مقولة تستجلب من جملة ما يستجلب من بدع خطابية لممارسة مزيد من الضغط على ما تبقى من أطر دستورية لبنانية لأجل تقويضها.
وكيف تكون المؤامرة غير مقصودة؟
يعني ذلك أنّ من يشارك في هذه المؤامرة غير المقصودة لا يعرف حقيقة ما يقوم به، أي لا يعرف أنّ هناك من يوجّهه خلسة، ويجعله في حالتنا هذه، يؤخّر تشكيل الحكومة. والسؤال هنا، إن كان المرء يجهل أنّه "مدارٌ خلسة" فكيف سيقتنع بعد ذلك بأنّه ضالع في "مؤامرة غير مقصودة" وما هي الوسائل الناجعة لتقويم إعوجاجه؟
أو يعني ذلك أنّ رئيسي الجمهورية والحكومة المكلّف يتآمران على الإنقلاب اللاشرعيّ الحاصل منذ ثلاثة أشهر.
ماذا يعنيه في المقابل إيراد هذا الكلام على لسان رئيس السلطة التشريعية؟
الجواب الوحيد: إستقالته من المهام التي أوكلها الدستور إليه.
فالعمل التشريعيّ في أساسه يتعارض مع نظرية المؤامرة، وخصوصاً مع الحالات السريرية لها من مثل نظرية "المؤامرة المكشوفة"، فكيف الحال إن كنا أمام "نظرية المؤامرة غير المقصودة؟"
فكيف سيعرف المشرّع متى يدخل تشريعه في لعبة تآمرية من دون أن يدري، ومتى يكون تشريعه دحضاً للتآمر، من دون أن يدري أيضاً؟
أمّا إذا كان رئيس المجلس هو الذي يطرح نفسه بالنسبة إلى المشرّعين كصاحب القول والفصل في ماهية التآمر، وفي تعيين أشكال التآمر أو أشكال دحضه، فهذه مشكلة كبيرة.
ويزيد منها أنّ رئيس المجلس وبدلاً من أن يتضامن مع نوّاب الأمّة الذين تعرّضوا لتدخّل أجنبيّ إفترائيّ ضدّهم، إذ به يتضامن مع فعل التدخّل، ويمارس حصّته المطلوبة من الضغط على القضاء في هذه القضية التي تذكرنا بكوكايين "محاسبة الشهود الزور".
طبعاً، في المقابل، يمكن للفريق المقابل لرئيس المجلس أن يلتقط نظرية "المؤامرة غير المقصودة" لتفسير جملة أحداث انطلاقاً منها. فحرب تموز مثلاً، وإذا ما رجعنا إلى نظرية "لو كنت أعلم" فإنها تتحوّل إلى "إنتصار غير مقصود" بالنسبة الى "حزب الله" وإلى "مؤامرة غير مقصودة" على المسار الدستوريّ للأمور في لبنان. أمّا الديبلوماسية الفئوية في ساحل العاج فيمكن أيضاً توصيفها بأنّها "مؤامرة غير مقصودة"، بمعنى أنّه كانت هناك أسباب موضوعية ومادية للإنحياز الفئويّ إلى الفريق المعزول دوليّاً من دون أن يكون هناك أدنى تنبّه للمصلحة الوطنية العامة بما في ذلك وبالدرجة الأولى مصلحة الجالية، فكانت النتيجة شكلاً من أشكال "المؤامرة بلا قصد".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك