لون واحد مع سوريا ومتعدّد في الداخل هل تطيّر المحكمة الحكومة أم التعيينات؟

اميل خوري

النهار

يواجه لبنان في ظل الوضع الشاذ الذي يعيشه منذ سنوات مشكلة تأليف حكومات منسجمة ومتجانسة لكي تكون منتجة وصالحة لاتخاذ القرارات المهمة خصوصا في الظروف السياسية والاقتصادية والامنية الصعبة.

وجرب لبنان في ظل هذا الوضع وبعد انتهاء عهد الوصاية السورية تشكيل حكومات سميت حكومات "وحدة وطنية" جمعت الاضداد من اكثرية واقلية، فكانت فاشلة لأن لا شيء كان يجمع بين اعضائها لا في السياسة الداخلية ولا في السياسة الخارجية. لكن الظروف الموضوعية التي تتحكم بالبلاد كانت تفرض تشكيل مثل هذه الحكومات لان "الديموقراطية التوافقية" حلت بحكم هذه الظروف محل الديموقراطية العددية التي كانت تجعل الاكثرية المنبثقة من انتخابات نيابية حرة ونزيهة هي التي تحكم والاقلية تعارض. وما فرض الديموقراطية التوافقية هو "التحالف الشيعي" الذي نشأ للمرة الأولى في تاريخ لبنان وجمع حزبين اساسيين هما: "حزب الله" وحركة "امل". وكلاهما مسلح من دون سائر الاحزاب. وقد اشترط هذا التحالف للمشاركة في اي حكومة ان تضم وزراء يمثلون الاكثرية والاقلية معا وان يكون للاقلية ثلث عدد الوزراء مما يحول دون جعل الاكثرية تستأثر في اتخاذ القرارات وعدم الاخذ بهذا الشرط يجعل كل حكومة غير شرعية وغير ميثاقية لأن الطائفة الشيعية غير ممثلة فيها.

وبعدما تأكد فشل حكومات تجمع الاضداد من موالين ومعارضين تسمى كذباً حكومات وحدة وطنية، يستغرق تأليفها اشهرا عدة للاتفاق على الاسماء والحقائق واسابيع للاتفاق على بيان وزاري ملتبس في بعض عباراته، قررت قوى 8 آذار بعدما انتقلت اليها الاكثرية تشكيل حكومة منها ومن دون اشراك قوى 14 آذار اذ اشترطت لتمثيلها ان تتجاهل موضوع المحكمة الدولية وسلاح المقاومة...

ولم يكن في نية الرئيس سليمان والرئيس ميقاتي تشكيل حكومة من طرف سياسي واحد بل من خارج مجلس النواب ومن اشخاص مستقلين عند تعذر الاتفاق على حكومة من 8 و14 آذار لكن قوى 8 آذار وتحديدا "حزب الله" وسوريا عارضا بشدة تشكيل حكومة من خارج المجلس النيابي وهددا بحجب الثقة عنها. فكان لهما ما ارادا ووصف الرئيس سليمان الحكومة الحالية عند تشكيلها بـ"التجربة الجديدة، علها تكون ناجحة" لكن تبين انها اسوأ من حكومات "الوحدة الوطنية". فهي من لون واحد في السياسة الخارجية ولا سيما ما يتعلق بالموقف من سوريا، وهي متعددة اللون في السياسة الداخلية لان لعبة المصالح الذاتية والحصص تدخل في هذه اللعبة. فلا هي متفقة على مشروع ولا على اي شكل من اشكال الاصلاح لمكافحة الفساد ولا حتى على التعيينات الادارية والديبلوماسية والامنية والعسكرية ولا على الترقيات لان كل فريق في الحكومة يحاول ان يأخذ له فيها الحصة الكبرى، لا بل ان لكل فريق موقفا يتعارض وموقف الفريق الآخر من تمويل المحكمة الدولية، وهذا يطرح السؤال الآتي:
الى متى تستمر الحكومة بكل تناقضاتها ولا تنفجر من الداخل؟

تقول اوساط سياسية ان هذه الحكومة وان تكن غير متماسكة بين اعضائها فإنها ممسوكة من سوريا او من ايران وان الدولتين تملكان قرار بقائها او ترحيلها، ولا احد يعرف متى يكون ذلك هل عند سقوط النظام في سوريا؟ هل عند ارتفاع منسوب التوتر بين اميركا والسعودية من جهة وايران من جهة اخرى بسبب اتهام ايرانيين بمحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن؟ هل عند اشتداد الخلاف على تمويل المحكمة او التمديد لها، هل عند اجراء التعيينات والخلاف على تقاسم جبنتها؟

ثمة من يقول ان موضوع التعيينات بالنسبة الى بعض الوزراء أهم بنظرهم من موضوع تمويل المحكمة، وهو تمويل يمكن ايجاد حل له بغياب الوزراء المعارضين للتمويل عن جلسة مجلس الوزراء عندما تبحث فيه، او تبقى حصة لبنان من التمويل دينا عليه لتتولى سداده حكومة اخرى في ظروف افضل، في حين ان وزراء آخرين وتحديدا وزراء "حزب الله" يعنيهم موضوع المحكمة اكثر من موضوع التعيينات، فمن من هؤلاء الوزراء يتغلب موقفه على الآخر؟

وثمة من يقول ان الحكومة قد تتحول الى حكومة تصريف اعمال سواء بسبب الخلاف على تمويل المحكمة او بسبب الخلاف على التعيينات، وان البلاد ستظل تعاني من الوضع الشاذ الى ان تجرى الانتخابات النيابية سنة 2013، فإما تكون نتائجها مصيرية وحاسمة بالنسبة الى تشكيل الحكومات، واما تبقى كما كانت نتائج انتخابات 2005 و2009 وعندئذ ينبغي ان يصير اتفاق على بيان كل حكومة قبل تأليفها، بحيث يتم توزير من يوافق سلفا على مضمونه وذلك تحقيقا للانسجام والتجانس الضروريين داخل الحكومة وجعلها اهلا للعمل والانتاج، بمعنى ان يكون الوفاق بعدما تأكد ان حكومة الوفاق قد لا تتفق بعد تأليفها على البيان وعلى البرنامج. فهل تخرج نتائج انتخابات 2013 لبنان من الوضع الشاذ ام تكون كنتائج انتخابات 2006 و2009 التي ابقته في هذا الوضع؟