الرئيس نبيه بري أستاذ. يلقي على اللبنانيين دروسا في الأنسب لهم في التعامل مع ما يجري في سوريا. وحين يهاتفه مفتي الجمهورية للبحث في تعديات على الاملاك الخاصة والعامة، طالبا منه أن يتصرف كدولة رئيس يجيبه: ما في دولة بلبنان. ثم يضيف معاونوه ـــ وكلهم بلغاء، لم يصلوا إلى بلاغة واصل بن عطاء ـــ بأن سلطة الحكم السابق أهملت المناطق فلجأ أهلها إلى التعدي.
الناس كلها تعرف أن الرئيس بري يراقب الرؤساء يحكمون ويخرجون من الحكم وبعضهم يتم اغتياله، لكنه هو وحده من يبقى متربعا سعيدا في كرسيه. إنما ومع ذلك لا يتردد في الإعلان أن الدولة في يد غيره. هذا في ما يبدو من ظاهره وباطنه اعتراض على حجم المشاركة ومستواها.
ربما يطمح الرئيس بري في الرئاسة الأولى، على أن تبقى الرئاسة الثانية معه. عند ذلك يستطيع اللبنانيون أن يحاسبوه بوصفه رجل دولة. ذلك أنه كرجل دولة بصفته الحالية، يرد أسباب المشكلات كلها إلى مقامي الرئاسة الأولى والثالثة، ثم يتخفف من المسؤولية ويغرد حرا طليقا من كل قيد. مع ذلك يستطيع ان يحذر، وأن يحاضر في اللبنانيين عموما، فيقول لهم ما يجوز وما لا يجوز، وما يرضى به وما لا يرضى به.
لهذه الأسباب يشبه الرئيس بري العقيد الليبي معمر القذافي. فهو صاحب سلطة معنوية، وليس رئيسا ليرمي استقالته في وجوه المحتجين. هو رئيس، نعم، لكنه ليس رئيسا مسؤولا. أضف إلى ذلك أنه متأكد من أن الشعب يحب دولة الرئيس مثله في ذلك مثل العقيد، الذي يعرف أن الشعب يحبه، ليس في ليبيا فقط، بل في العالم أجمع.
وحتى حين يتظاهر البعض من اللبنانيين ضد النظام الطائفي، يشد الأستاذ على أياديهم، ذلك أنه ليس رمزا من رموز النظام الطائفي أو هكذا يعتقد. وهو في النهاية مدافع عن الشعب وحقوقه، لذلك لا يرى ضيرا في أن يبني المواطنون المحتاجون بيوتا على أملاك الغير. اشتراكية! من قال إن الاشتراكية ماتت أو اضمحلت؟
الرئيس بري محظوظ، ويمكن القول إنه أكثر من محظوظ، حتى حين يناصب البعض "حزب الله" العداء، ينظر إليه بوصفه احتمالا ممكنا إذا ما هُزم "حزب الله".
هو الرئيس الوحيد الذي حفظ مكانته ومنصبه في مستقبل لبنان. إذ بصرف النظر إن نجحت قوى "8 آذار" في جعل الحكم خاضعا لمشيئتها أم لم تنجح فهو سيبقى رئيسا.
وقد لا يكون ثمة أحد في لبنان يستطيع التعايش مع المتغيرات مثلما يستطيع الرئيس بري.
هو أستاذ وعلى اللبنانيين التعلم منه والإصغاء لمواعظه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك