النهار
كتبت صحيفة "النهار": بدت زيارة وفد الجامعة العربية لدمشق الاربعاء الماضي ولقائه الرئيس السوري بشار الاسد بمثابة جرعة قوية لحلفاء دمشق في لبنان الذين وان اربكتهم في الفترة الأخيرة التباينات والخلافات المتراكمة بين افرقاء اساسيين في الحكومة يظهرون مزيدا من الثقة في قدرة النظام السوري على النجاة من اي مصير مشابه للأنظمة التي اسقطتها الثورات العربية.
وعلى غرار الانقسام الداخلي حيال اي تطور بارز يتصل بالازمة السورية او بسواها، اثارت زيارة وفد الجامعة العربية لدمشق تقديرات متناقضة لدى الوسط السياسي تماثل الى حد بعيد التفاوت في التقديرات الخارجية حيالها.
ففي المقلب اللبناني المناهض للنظام السوري والمتعاطف مع المعارضين له تلفت اوساط سياسية الى ان لبنان هو صاحب الخبرة الاكثر مراسا والاكثر كلفة في تجارب الوساطات العربية في أزمته ابان الحرب وبعدها، من عهود الرؤساء سليمان فرنجية والياس سركيس وامين الجميل وصولا الى العهد الحالي والتي كان آخرها ما اصطلح على تسميته بـ"السين سين"، وهي تجارب تحفل بالمطبات والصعود والهبوط وغالبا ما كانت نتائجها تفضي الى اذكاء النزاع المرتبط بميزان القوى ومصالح الاطراف الوسطاء اكثر من اي قدرة او رغبة في التوصل الى حلول. وتبعا لذلك تقول هذه الاوساط ان النهج السوري في التعامل مع الوساطات العربية لم يتبدل اطلاقا، وهو نهج احتواء المناخ العربي وتطويعه في البدايات وصولا الى تفريغه من مضمونه في اللحظة المؤاتية. ولن يختلف الامر هذه المرة خصوصا ان دمشق عبرت اصلا عن رفضها للتدخل العربي في ازمتها ثم عادت واستقبلت الوفد، ولكن الفارق الجوهري في التجربة الجديدة يتمثل في ان الازمة تدور هذه المرة على ارض سوريا وبين النظام ومعارضيه في توقيت تجاوزت معه الحوادث الدامية كل قدرة على اعادة عقارب الساعة الى الوراء، ولم يكن ادل على ذلك من سقوط نحو 20 قتيلا في يوم زيادة الوفد لدمشق.
ومفاد هذه الرؤية ان اصحابها لا يختلفون في نظرتهم الى تطورات الازمة السورية عن نظرة فرنسا مثلا التي اعرب وزير خارجيتها آلان جوبيه عن اعتقاده ان النظام السوري آيل الى السقوط في النهاية ولو صمد لمدة طويلة.
اما في المقلب الحليف لدمشق فثمة ما يشبه السخرية من الرهان على سقوط النظام، خصوصا غداة زيارة الوفد العربي لدمشق وبرئاسة رئيس الوزراء القطري تحديدا. وتبرز الاوساط القريبة من قوى 8 آذار في هذا السياق نظرة مزدوجة الى الواقع السوري والوضع الداخلي اللبناني تعكس رهانها على تراجع فرص اسقاط النظام السوري تراجعا كبيرا واستتباب الواقع السياسي اللبناني في ظل الحكومة الحالية الى امد طويل.
وتقول هذه الاوساط ان زيارة الوفد العربي شكلت تطورا مفصليا لمصلحة النظام واقرارا ضمنيا من جانب العرب والقوى الغربية الاساسية بعدم القدرة على اسقاطه الامر الذي سيتعين معه على خصوم النظام التعامل بواقعية قسرية مع هذا التطور. وتعتبر ان عاملين اساسيين يقفان وراء هذا التطور هما بدء العد العكسي للانسحاب الاميركي الشامل من العراق في نهاية السنة مؤذنا بانتهاء حقبة التدخلات الغربية العسكرية في المنطقة وقدرة النظام السوري على مواجهة الموجة الاصعب والاقسى لاسقاطه وتفوقه فيها امنيا خلافا لكل ما اصاب الانظمة الاخرى التي سقطت تحت وطأة الانتفاضات والتدخلات الخارجية. وترى هذه الاوساط في السلوك المستجد لدولة قطر الدليل القاطع على الميزان الذي يحكم التوجهات العربية والغربية الحليفة لها، اذ اضطرت الى التسليم بالنتائج والوقائع التي تثبت ان النظام السوري وموقع سوريا وكذلك امتلاك النظام الكثير من الاوراق الخطيرة في محيطه من العراق الى لبنان وفلسطين ما يملي اعادة النظر في الموقف من سوريا خلافا لما كان الامر عليه في الاشهر الثمانية السابقة، ولو ان الاوساط نفسها لا تغفل ضرورة ان يحسن النظام السوري توظيف هذه الفرصة بالاقدام على جرعة اصلاحات ضخمة ومحسوسة وفعلية لسد الثغرة ونوافذ الرياح التي يمكن عبرها اعادة ما تسميه موجات الاستهداف المتجددة للنظام وسوريا.
اما في موقفها من الواقع اللبناني فترى الاوساط القريبة من 8 آذار ان رهانات خصومها في قوى 14 آذار لن تكون افضل حالا من التقهقر الغربي الذي سيتتابع فصولا كلما اقترب موعد الانسحاب الاميركي من العراق والذي تعتبره حدثا تاريخيا لا يقل اهمية بدلالاته ومفاعيله عن الدومينو الذي تشهده المنطقة.
وتبدي هذه الاوساط ثقة جازمة في ان الملفات الخلافية المطروحة على الاكثرية الحكومية والنيابية الراهنة ولا سيما منها ملف تمويل المحكمة الدولية ستجد طريقها غالبا الى تسويات تحبط فريق المعارضة ورهانه على استقالة الحكومة – ولو وسط التعارض الشديد بين رئيس الحكومة وداعميه في تمويل المحكمة و"حزب الله" وداعميه في رفض تمويلها. وتقول هذه الاوساط انه مع امرار مأزق التمويل ونفاذ الحكومة من استحقاقه سيتعين على قوى 14 آذار بدورها ان تعيد حساباتها بالكامل حيال رهانات سورية ولبنانية طال انتظارها وتصاعدت ملامح اخفاقها رغم كل "المواد" المشجعة لهذه الرهانات التي قدمها ويقدمها بعض اطراف الاكثرية الى خصومهم.