لم يكن ممكناً ان يطول انتظار انعقاد مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة اكثر مما حصل، فبعد قتل المئات وجرح الآلاف في ساحات المدن والقرى السورية على ايدي عناصر المخابرات وقطعات فئوية من الجيش، طالت اللائحة اكثر مما يمكن احتماله او السكوت عنه، بسبب "الحمايات" التي ينعم بها النظام في سوريا. ولعل اهم الحمايات تلك الآتية ممن يفترض انهم اعداء (اسرائيل)، او ان النظام يقف "ممانعا" في وجههم ووجه مشاريعهم في المنطقة ! في مطلق الاحوال فإن ادبيات النظام صارت اضحوكة. لكن الحقيقة، ان ثمة مدنيين في سوريا عراة الصدور، عُزّلاً يقتلون كل يوم، وثمة ثورة مدنيين سلمية يعجز النظام عن وأدها جمعة بعد جمعة منذ الثامن عشر من آذار الماضي.
يثبت الموقف الصادر عن مجلس حقوق الانسان في جنيف وقد دان سلوك النظام في سوريا حيال المدنيين العزل، ان الماكينة الدولية بدأت في الدوران، بعدما بدا جليا ان الرئيس بشار الاسد وصحبه اختاروا الحل الدموي في مواجهة الشعب. وقد صم الاسد الابن اذنيه عن سماع النصائح الدولية التي اشارت عليه بالاسراع في اطلاق عملية الاصلاح الحقيقية فعلا لا قولا. وقد يكون اصدقاؤه الاتراك اكثر من يشعر بالغضب في هذه الايام بعدما تبين لهم انه لا يستمع اليهم، بل يكتفي بالكلام والكلام فقط. هذه الملاحظة يسمعها المراقب السائل لرسميين اتراك رافقوا عملية التواصل بين انقره ودمشق في الاسابيع الاخيرة. فالرسميون المشار اليهم ما عادوا يخفون خيبتهم من الاسد الابن، وثمة منهم من اكتشف ان الرئيس السوري اما انه عاجز عن الاصلاح او انه حقا يرفضه مكتفيا بالمناورات الكلامية، بإصداره قرارات بقيت حبرا على ورق في الوقت الذي امتد قتل المدنيين ليشمل جنودا وضباطا تتفق مصادر تركية عدة على القول انهم عوقبوا بالقتل لرفضهم اطلاق النار على المدنيين. هذه مسألة خطيرة جدا لأنها تضع الجيش على شفير انفجار من الداخل.
إن تدخّل مجلس حقوق الانسان في جنيف ولو متأخرا يفتح الباب واسعا امام تدخل دولي ضد النظام في سوريا، وبالتالي فإن مجلس الامن الدولي لن يكون بعيدا عن الملف. في حين ان الاتحاد الاوروبي متجه الى خطوات متصلبة. وفي المحصلة يكون الاسد الابن قد بدد في اقل من خمسة اسابيع كل ما استطاع كسبه عربيا ودوليا في ثلاث سنوات، من الجهد الفرنسي والقطري ثم السعودي، لإعادته الى الاسرة الدولية. واليوم يعود الرئيس السوري بشار الاسد الذي لم تبدأ الحملة على شرعيته الى وضعية سبق ان خبرها بين 2005 و2008، لكن لهذه المرة ابعادا اكثر خطورة لأن القتلى سوريون عُزّل، ولأن الثورة على النظام سورية داخلية يقوم بها سوريون احرار عراة الصدور.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك