ليس أفضل من تعبير أوباما عما حصل بين إيران والدول الكبرى في لوزان. قال الرئيس الأميركي: جربنا كل شيء (مع طهران) وأصبحنا أمام خيارين: الحرب أو الإتفاق فاخترنا الإتفاق. هذه النتيجة التي توصل إليها البيت الأبيض بعد 33 عاماً من محاولة احتواء النظام الإيراني لم ترض بعض حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط. وأغضبت نتانياهو والجمهوريين و»إيباك»، وصقور الديموقراطيين الذين يفضلون الحرب فهم يدركون أن الإتفاق يتجاوز تقنيات البرنامج النووي ومنع طهران من صنع قنبلة ذرية إلى تفاهمات سياسية ستؤثر حتماً في وضع هؤلاء الحلفاء والخصوم، خصوصاً في الشرق الأوسط.
منذ سنوات كان في الولايات المتحدة رأيان لاحتواء إيران: الأول يدعو إلى شن حرب وتدمير كل البنى التحتية، والمفاعلات النووية وإعادتها إلى العصر الحجري، والثاني يدعو إلى المصالحة معها وإدخالها في المجتمع الدولي وإخضاعها لشروطه، سياسياً واقتصادياً، وإغراقها في الإستهلاك، وربط مصالحها بالسوق ودورة الإقتصاد الرأسمالي الذي تسيطر عليه واشنطن وحلفاؤها. ويبدو أن الرأي الثاني هو الذي انتصر في نهاية الأمر. من الآن وصاعداً، أو للدقة من لحظة توقيع الإتفاق النهائي بعد أشهر، سيفرج عن الأموال الإيرانية المحتجزة، وترفع العقوبات الدولية (تبقى العقوبات الأميركية الخاضعة لتجاذبات داخلية في واشنطن) وستصبح إيران جزءاً من النظام العالمي تدافع عنه، وتقدم تنازلات للمحافظة على وضعها فيه، تماماً مثل الصين وروسيا ودول "بريكس"، أي تصبح معارضة من داخل هذا النظام (كان لافتاً الإستقبال الحافل لظريف في طهران عندما هتفت الجماهير باسمه، وكادت تحمله مع سيارته على الأكتاف.(
ماذا يعني هذا التحول بالنسبة إلى الشرق الأوسط، خصوصاً المشرق العربي؟
من الملاحظ أن الأسبوع الأخير من محادثات لوزان ترافق مع تفاهم إيراني - أميركي في العراق وتشدد في سورية، وسعي أردني إلى استعادة العلاقات مع طهران. في العراق شكلت الطائرات الأميركية مظلة لمقاتلي «الحشد الشعبي» الموالي لطهران، بعدما تراجع عن انسحابه من المعركة احتجاجاً على ذلك، فانتصر في تكريت، وهو في طريقه إلى استكمال هجماته على الأنبار والموصل. في الوقت ذاته انكفأت طهران في سورية ليتقدم عليها حلفاء واشنطن، خصوصاً الأردن وتركيا، ويدعموا المسلحين السوريين (أبدوا الكثير من الإعتدال بعد تقدمهم؟) الذين استطاعوا بفضل هذا الدعم السيطرة على إدلب وتهديد دمشق من أقرب نقطة إليها مخيم اليرموك.
بالقياس المنطقي، واستناداً إلى بعض المعلومات المؤكدة، نستطيع القول أن الولايات المتحدة سلمت بالأمر الواقع في العراق، أي بالنفوذ الإيراني المتعاظم في بلاد الرافدين، حيث تستطيع طائراتها التعايش مع الجنرال قاسم سليماني، في حين تسعى إلى إيجاد توازن بين المسلحين الإسلاميين (بمن فيهم مسلحو «داعش» و»النصرة») في سورية على أمل أن تحتويهم الدول الحليفة المحيطة ببلاد الشام وتدربهم وتستمر في تسليحهم، وتعدهم ليكونوا طرفاً في مفاوضات عتيدة مع النظام. مفاوضات تحدث عنها جون كيري فأثار غضب الكثيرين، في الداخل الأميركي وفي الخارج.
اتفاق لوزان تاريخي، على ما قال أوباما. أزاح شبح الحرب عن إيران. أما نحن فننتظر اتفاقات الآخرين وانعكاسها علينا كي نخرج من حروبنا أو نعمقها أكثر.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك