ليس من موجب لأن يبالغ «الآباء الشرعيون» لأسامة بن لادن في التنصل منه وفي التبرؤ من «إنجازاته» الباهرة التي أساءت وما تزال تسيء إلى العرب في كرامتهم الإنسانية وفي حقوقهم الطبيعية في أرضهم وفي غد أفضل لهم فيها.
لم يكن أسامة بن لادن بطلاً عربياً، في أي يوم، بل لعله كان الأشرس في معاداة العرب والأقسى في إلحاق الإهانة والعار بهويتهم القومية وبدينهم الحنيف، والأعنف في تدمير سمعة نضالهم من أجل الخروج من ظلامية عصور القهر الاستعماري ثم من عبودية أنظمة القمع التي كادت تخرجهم من الجغرافيا فضلاً عن التاريخ.
إن «الآباء الشرعيين» لأسامة بن لادن، ورعاة «جهاده» الطويل الذي بدّل جبهاته، فجأة، ومن دون شرح أو تبرير، هم «أهل الفقيد» وقد جعلوه «شهيداً»... ولن تنفع أمواج بحر العرب ومعه المحيط الهندي في مسح الهوية الحقيقية لهذا المقاتل الذي ضلّ أو أُضل الطريق إلى «الجهاد»، كما لن ينفع إنكار «أهله» و«حماته» و«رعاته» الفعليين في إثبات براءتهم من دماء الذين تسبّب في قتلهم جماعياً، ومن دون ذنب جنوه، فقتل معهم حقوق مَن كانوا في الأصل أهله ثم نقلهم بجريمته أو جرائمه من خانة الضحية إلى خانة الجاني، من دون أية فرصة لإثبات أنهم هم الضحايا وليسوا الجناة.
إن أسامة بن لادن ابن شرعي لذلك النظام الذي يكفر رعاياه من المؤمنين، ويكفر كل من خالفه الرأي في السياسة من أهله العرب، ثم يسلّم أمره لقادة «فسطاط الكفر» الكوني يقرّرون له موقعه وموقفه، بعيداً عن الدين الحنيف وكل ما اتصل بالجهاد الحق من أجل قضايا التحرر والتحرير بدءاً بفلسطين وانتهاءً بفلسطين.
ليس عن حَوَل أو عن خطأ في تحديد العدو أُوفد أسامة بن لادن إلى أفغانستان لكي يقاتل الاحتلال السوفياتي... بل هو قرار واع وتضليل مقصود: فليذهب إلى العنوان الخطأ فيموت باسم الحق، بينما إذا ذهب إلى العنوان الصح فلسوف تهتك الأستار جميعاً وينقلب السحر على الساحر!
ولا يكفي في تبرير الخطيئة الأصلية في إيفاد بن لادن إلى أفغانستان أن يستخدم تفجير البرجين في نيويورك، بكل آلاف الأبرياء الذين قتلوا فيهما للقول إنه قد كفّر عن خطيئة سياسية بجريمة ضد الإنسانية لن يقتصر أذاها على تنظيم «القاعدة» وزعيمه، بل هي ستنال أولاً وأساساً من جدارة العرب بالاستقلال والديموقراطية وحلم الوحدة أو الاتحاد واستعادة أرضهم المحتلة ومواردهم المنهوبة.
المؤسف أن مَن جنّد أسامة بن لادن واستخدمه هو الآن من يتباهى بأنه قد خلّص العالم من الفكر التكفيري الذي أنبت هذا المقاتل تحت الشعار الخطأ، في حين أن ذلك الفكر التكفيري قد أنبت مقاتلين أشد شراسة وأعظم تحجراً وأفظع ضلالة بحيث أنهم لا يوجّهون سلاحهم إلا إلى أهلهم الطيبين ممّن يعتصمون بإيمانهم الحق بدينهم الحنيف ويستجيرون به من حكّامهم الطغاة الذين صادروا الجنة بعدما امتلكوا الأرض بمن عليها وبما تحتها وما فوقها.
لقد انتصر مشروع الهيمنة الأميركية على طموح العرب المشروع إلى تحرير إرادتهم وأرضهم مرتين: الأولى حين تواطأ معهم بعض أهل النظام العربي وبالذات مَن أنبتوا أسامة بن لادن، ليبرّروا احتلالهم بلاد شعوب صديقة بذريعة تحريرها من الاحتلال السوفياتي، ثم حين تواطأ معهم هؤلاء للهيمنة على بلادهم ذاتها ومقدراتها بذريعة حمايتها من إرهاب بن لادن ومَن ماثله من التائهين عن ميادين الجهاد الأصلية، بدليل أنهم لم يعرفوا الطريق إلى العدو الإسرائيلي ولو مرة واحدة، وعن طريق الخطأ.
ولا يجوز أن ننسى أن «جهاد» أسامة بن لادن قد ارتكز على الذرائع الفقهية ذاتها التي يستند إليها النظام الذي أنبته وبين أخطرها تكفير المسلمين من أتباع المذاهب الإسلامية، لا فرق بين السنة والشيعة منهم.. وهو تكفير يشمل، بالدرجة الأولى، معارضي النظام الذي ابتدع لنفسه مذهبه المتشدد، الرافض الآخرين جميعاً، أو الذي نشهده الآن مقاتلاً في صفوف الحلف الأطلسي تحت القيادة الأميركية في ليبيا كما في البحرين وربما في اليمن، مع وعيه المطلق أن قتاله هذا لن يكسبه شرف الجهاد ولا مجد المشاركة في تحرير الأرض العربية.
ومن باب أولى أن لا ننسى أن النظام الذي أنجب بن لادن وشركاءه من أهل النظام العربي قد ساعدوا الجيوش الأميركية في احتلال العراق وأن من نسّبوا أنفسهم إلى القاعدة وقاتلوا باسمها إنما قاتلوا وقتلوا العراقيين وليس جنود الاحتلال الأميركي.
إن أسامة بن لادن هو نتاج ذلك الزواج الحرام بين أنظمة القمع بالتخلف والتعصب وبين مشروع الهيمنة الأميركية على الأرض العربية، بمن فوقها وما تحتها..
وليس بالإمكان إخفاء أو طمس هوية الشريك الثالث، أي إسرائيل، التي أفادت من «جهاد» أسامة بن لادن بقدر ما أفاد منه الأميركيون وربما أكثر.
لقد صنع هؤلاء «الوحش»، وها هم يقتلونه ثم يتبادلون التهاني على نجاحهم في التخلص منه.
لكن العرب، عموماً، هم بين الضحايا في الحالتين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك