اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي وقّعه في القاهرة بالأحرف الأولى ممثلون عن حماس وفتح، هو خطوة في اتجاه تقصير الطريق إلى إنهاء الانقسام. يرتكز الاتفاق على أفكار ذات طابع عملي، لا تؤدي في الواقع إلى الاعتماد على اتفاق واحد متكامل توفر الورقة المصرية للمصالحة إطاره، بل إلى فتح مسار جديد أمام اتفاقات جزئية صغيرة حول القضايا المختلفة التي كانت تعوق الوصول إلى التوافق.
ستتمثل الخطوة الأولى في تأليف حكومة كفاءات وطنية تدير المرحلة الانتقالية التي ستكون مدتها عاماً، تُفضي إلى انتخابات تشريعية ورئاسية وانتخابات للمجلس الوطني، بنحو متواز. وأمام هذه الخطوة، سيكون هناك حوار من أجل الاتفاق على شكل الحكومة وعلى برنامجها السياسي. وهو أمر قد يفتح الباب مجدداً على الجدل حول ضرورة التزام الحكومة بالشروط الدولية من عدمه، خاصة أنّ تعليق الولايات المتحدة على اتفاق المصالحة جاء من مدخل برنامج الحكومة التي ستنبثق عنه، إذ يربط الاعتراف بها بتقيدها بشروط الرباعية الدولية في نبذ العنف.
كل ذلك، سيحصل في ظل استمرار حالة الانقسام بين قوة تحكم في غزة وأخرى في الضفة الغربية. بالمعنى العملي، لن يكون من السهل جداً حسم هيكلة وإعادة بناء الأجهزة الأمنية بسرعة، دون أن يواجه أمر من هذا النوع رفضاً إسرائيلياً وأميركياً مشتركاً، إذ إنّ أيّ حل بخصوص تركيبة الأجهزة الأمنية الجديدة يجب أن يستوعب حماس بما هي قوة مشاركة فيها، وهو ما سترفضه إسرائيل وأميركا بالمطلق.
يبدو التوقيع في القاهرة، والحال هذه، خطوة تحريكية لملف ضربه الجمود بسبب استمرار الخلاف الداخلي الفلسطيني على بنود اتفاق وطني شامل، وتأثر الأجواء العربية بحمى الثورات المنتشرة. إنّه يقع تحت ضغط الرغبة الفلسطينية في مواكبة التطورات الأخيرة، خشية أن يؤدي مسار الأحداث في مصر وغيرها من الدول العربية إلى ركن الملف الفلسطيني الداخلي جانباً.
أدركت حماس أهمية اللحظة التي تمر بها مصر بما هي راع للحوار الفلسطيني في اعتماد نهج جديد لمقاربتها، لا بوصفها مشكلة أمنية بل مكوّناً سياسياً، يتحتم الوصول إلى اتفاق فلسطيني إشراكه في المسائل السياسية كلّها، والاعتراف بتأثيره ونفوذه. وأدرك الرئيس الفلسطيني أنّه لا يسعه في الوقت الحالي إلا أن يقدم على تنازلات حقيقية تخص المسائل المختلفة، لأنّ رياح التغيير في العالم العربي قد لا تسير في اتجاه مراكبه، بالإضافة إلى وعيه لجسامة الاستحقاق الذي يواجهه في شهر أيلول المقبل، وهو ما يتطلب حداً أدنى صغيراً من الوفاق بين الأطراف الفلسطينية المختلفة.
من الصعب الجزم الآن بوصول الأمور إلى نهاياتها الأخيرة، حسب ما ينص عليه الاتفاق. يبقى من الضروري، قبل كلّ شيء، أن يقدم الفلسطينيون أيضاً مشروعهم السياسي المشترك، المتفق عليه وطنياً في غمرة تلك التحولات السياسية الكبيرة في المنطقة. فالتعامل مع أي توافق على أنّه مدخل لعقد الانتخابات، بوصفها أداة لحسم السلطة لطرفين يتنازعانها منذ سنوات فقط، يعفينا من النظر إلى مخاطر أي عملية ديموقراطية جديدة تجري تحت سلطة الاحتلال، وفي غياب نقاط الإجماع الوطني الفلسطيني. في ظل ذلك الغياب، سيتحول أيّ اتفاق بين فتح وحماس إلى اتفاق ثنائي لتقاسم النفوذ مجدداً، وسيُمْنَح الانقسام القائم حياة جديدة من خلال « شرعية التوافق».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك