لم تصرف الازمة الحكومية المفتعلة حول تمويل المحكمة الدولية بعض المراقبين اللبنانيين عن متابعة حثيثة للوضع الامني السوري بعدما اصبح مسلما به ان هذا الوضع هو السبب الوحيد وراء ابقاء "حزب الله" على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على رغم المآخذ عليه بحسب ما قال الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله. وتبعا لما تتلقاه الاوساط اللبنانية، فان التسوية التي اسفرت عن تمويل المحكمة لم تحجب خطورة التداعيات السورية التي يمكن ان تبدأ بالظهور خلال الايام المقبلة على وقع الديبلوماسية الاميركية في العراق استعدادا لترحيل قواتها.
ويتلقى هؤلاء جملة تقارير ومعلومات ديبلوماسية من زائري سوريا عن جنوح الوضع نحو مأزق عسكري متفاقم نتيجة جملة عوامل. وفي قراءة لهذه المعطيات ان ثمة اتجاها متزايدا لحسم الامر عسكريا، بعدما استنفدت الدول العربية والاوروبية والولايات المتحدة كل اوراقها في فرض عقوبات اقتصادية، تدرك تماما انها لم تكن يوما فاعلة في اقصاء الانظمة التي يكون صدر القرار باسقاطها، بحسب ما دلت عليه التجارب في الدول العربية. وأقصى ما يمكن ان ينتج من هذا الحصار الاقتصادي، على أهميته المتعددة الوجوه، انهيار اجتماعي اقتصادي يساهم في تعزيز فرص الحرب الاهلية الداخلية، من دون ان يؤدي ذلك الى اسقاط النظام السوري سريعا. وهذا يعني ان الخيار الوحيد المتبقي امام الدول الرافضة لبقاء الرئيس بشار الاسد هو اللجوء الى مجلس الامن، او تحريك الوضع العسكري الداخلي في شكل اكثر حدة. واستنادا الى تقارير أمنية غربية فان بعض المناطق التي بدأت تتفلت من حكم النظام السوري المباشر، تشهد تدريجا تسللا عسكريا غربيا اليها لتعزيز حضور الوحدات العسكرية السورية المنشقة وتدريبها في مخيمات خاصة وتنظيم تدفق السلاح من الدول المجاورة ومنها لبنان، الى هذه الوحدات المنشقة. وقد سبق لبعض الوسائل الاعلامية الغربية ان تحدثت عن قاعدة تنطلق من شمال لبنان لتدريب وحدات عسكرية من الذين يشاركون على الارض في التحرك ضد النظام. مع العلم ان الفئة الكبرى من هؤلاء سبق ان نالت تدريبا عسكريا في خدمة العلم، اضافة الى ان السلطات الامنية اللبنانية لم ترصد أيا من هذه المعسكرات التدريبية وان كانت لا تستبعد حصولها في مناطق معينة.
وتتعدد وفقا للتقارير الاحتمالات المطروحة لسوريا سواء بالنسبة الى سقوط النظام او حدوث انقلاب داخلي عليه، او حتى صموده على الاقل لفترة ستة اشهر. وثمة توقعات أن يكون الهدف من انتقال الوحدات الصغيرة، بدء الاعداد لعمليات عسكرية أوسع نطاقا لتشمل الحدود السورية التركية، والمناطق الشمالية وصولا الى حلب ، مع ما تشكله من اهمية اقتصادية تعزل عن العقوبات المفترضة، وهي التي لا تزال مع دمشق غير منغمستين في سلسلة الاحداث الامنية، مما يؤدي الى عزل منطقة شمال سوريا الممتدة بين تركيا وشمال لبنان عن المنطقة الجنوبية التي يُحكم الرئيس بشار الاسد قبضته عليها نتيجة بقاء القوة العسكرية الضاربة للجيش فيها. ويحمل هذا الانقسام الجغرافي في طياته انقساما بين فئات اجتماعية وطائفية، تساهم على المدى البعيد في فرز المناطق السورية في اي تسوية تطيح بنظام الاسد.
وتشير التقارير الى ان تزامن التطور العسكري الداخلي مع التحرك الروسي العسكري البحري او تسليم دمشق منظومة دفاع لا يعني مطلقا ان القيادة الروسية الثنائية تتمسك بنظام الاسد، رغم انها لا تزال تفاوض الغرب على عدم تكرار التجربة الليبية في سوريا. وما قيل عن عزل المسؤول عن ملف الشرق الاوسط بعد فشل الدور الروسي في ليبيا، واعادة ملف التفاوض الى يد الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ورئيس الوزراء فلاديمير بوتين الذي يستعد للعودة رئيسا، لا يؤكد مطلقا ان ايا منهما متمسك بالاسد من دون ثمن مقابل، او انه لا يثق باحتمالات سقوطه. بل ان الاشارات الروسية تبدو شبه اكيدة من المنحى الخطر للوضع السوري. لكنها تبني في تحركها قاعدة تحرك مستقبلي، اذا ما نجحت السيناريوات الغربية في زعزعة النظام السوري. وتستعيد هذه التقارير التجربة السوفياتية مع الجيش السوري والصلات التي تربط الجيشين، وهو ما يعطي القيادة الروسية تأثيرا على الجيش السوري، ويعطي اطمئنانا لضباطه الكبار في حال التوصل الى اي تسوية تطيح بنظام الاسد، والابقاء على تركيبة الجيش تذكيرا بالتجربة المصرية لا العراقية.
وقد وصلت الى بعض القيادات اللبنانية تقارير مفصلة ورسائل شفوية نقلها مطلعون سوريون تدل على ان ثمة قرارات كبرى تتخذ على مستوى القيادة السورية تتعلق بالجغرافيا السورية، ولا يمكن عزلها عن حزمة القرارات التاريخية التي تتخذها دول عربية او تركيا في شأن قطع العلاقات او التضييق على نظام الاسد، المستند الى قاعدة علوية، لا يمكن الاسد ان يقبل التفريط بها.
واذا تحققت السيناريوات حول الاحتمالات المرسومة للوضع السوري، ايا كان شكلها، فان لبنان مقبل على وضع دقيق، لا يفيد معه ان تبقى الحكومة مغمضة العينين عن مجرياته.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك