لا تغيير في قواعد الاشتباك في لبنان، ولا تعديل في ميزان القوى لمصلحة أيّ طرف من الأطراف، بل جُلّ ما في الأمر أنّ طهران تجاوبَت مع المساعي الدولية كبادرةِ حسنِ نيّة لإعادة انتظام الوضع في لبنان، ولكنّ المشكلة كانت في أنّ "حزب الله" يريد تجنّبَ الإحراج مع العماد ميشال عون، فضلاً عن أنّه شديد الحِرص على استمرار التحالف معه، وبالتالي السيناريو الوحيد الذي يَحفظ فيه الحزب ماءَ وجهه حيالَ عون يكون بالقفز فوقَه رئاسياً عبر افتعال أوضاع شعبية تفضي إلى هزٍّ مدروس ومحدود للاستقرار يقود إلى تدخّل دولي لفرضِ تسوية سياسية تُعيد الوضع في لبنان إلى مساره الطبيعي.
لا مؤشّرات إلى وجود نيّات لتحويل لبنان ساحةً ساخنة، بل التقاطعُ الدولي-الإقليمي ما زال قائماً على ضرورة الاستقرار في لبنان. أولوية طهران، وفق الكاتب السياسي في "الجمهورية" شارل جبور، هي أولوية "حزب الله" التي ما زالت نفسها: التهدئة في لبنان من أجل التفرّغ لسوريا. أولوية السعودية هي استمرار التهدئة في لبنان بأيّ ثمن. الأولوية الغربية هي استمرار الاستقرار ربطاً بأمن إسرائيل وأمن اللاجئين السوريين.
ولذلك لا تَغيير في قواعد اللعبة الأساسية، وإيران بعد النووي لن تقعَ في خطيئة إسقاط التوازن في لبنان الذي أعيدَ الاعتبار له مع حكومة الرئيس تمام سلام، لأنّ أيّ خطوة من هذا النوع ستَضع طهران في مواجهة مع المجتمع الدولي، وستكون كمن يفتعل مواجهة مع الدوَل الخليجية، في الوقت الذي تعمل على طمأنتِها، والأهم من كلّ ذلك أنّ وضع لبنان رسمياً تحت القبضة الإيرانية سيَجعل الساحة اللبنانية نسخةً طبق الأصل عن الساحات السورية والعراقية واليمنية، الأمر الذي يُدخِل "حزب الله" في حرب مذهبية تؤدّي إلى تعطيل دوره الإقليمي، وانحسار سلطته على القرار السياسي إلى داخل المربّع الشيعي.
ولكلّ هذه الاعتبارات وغيرها، تريد طهران ترييحَ "حزب الله" لا إرباكَه، ومِن هنا الاتفاق السعودي-الإيراني على تحييد لبنان ما زال ساريَ المفعول، وأيّ تغيير محتمَل ومرتقَب سيكون تحت سقف هذا التفاهم، كما تحت سقف المظلّة الدولية وتحديداً الأميركية.
ولأنّ مرحلة ما بَعد النووي طويلة ومتشعّبة ومتعرّجة، ولأنّ هذه المرحلة وظيفتُها مقاربة ومعالجة الملفّات القائمة وليس استحداث ملفات جديدة، ولأنّ وضع لبنان أو التفاهم الدولي - الإقليمي حوله بأن يكون مستقرّاً، فالمطلوب بوضوح أن يستمرّ هذا الاستقرار.
وعليه، بدأ لبنان يشهَد تحريكاً مضبوطاً لأوضاعه بغية الوصول إلى تغيير محدود في الأسابيع أو الأشهر المقبلة. فالدينامية التغييرية انطلقَت تحت السقف الدولي والسعودي - الإيراني، والنتائج المرتقَبة لهذا التغيير ستكون تكريساً لميزان القوى القائم، لا أكثر ولا أقلّ...