ينتهج رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سياسة "الوسطية" ويعتبرها السبيل الأنجع في التعاطي مع مختلف القضايا والتطورات المحلية والإقليمية، وأبرزها: الأزمة السورية، فقد دعا ميقاتي الأفرقاء اللبنانيين إلى النأي بالنفس عما يحدث في سورية.
ولكن يبدو أن هذه "الوسطية" يتعارض شكلها مع مضمونها، وتؤكد الوقائع والأحداث أن ميقاتي "وسطي" بامتياز في أدائه تجاه القضايا المحقة، وفي التعامل مع القوى الممانعة، ومتناغم إلى حدٍ كبير في "وسطيته" مع دور فريق الأقلية.
فبعد اجتراحه الحل "الوسطي" لمشكلة تمويل المحكمة الخاصة بلبنان المخالفة للدستور اللبناني، والاستعانة بجمعية المصارف اللبنانية لتحقيق هذه الغاية، بعد مقاربته لها من زاوية مذهبيةٍ وإنتخابيةٍ ضيقة، ضارباً بعرض الحائط القوانين والأعراف، بالاضافة الى اختزال دور السلطة التنفيذية في إدارة شؤون البلاد، لم تجيز لرئيس الحكومة "وسطيته" فتح ملف الشهود الزور الذين ضللوا التحقيق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولم ينصف ضحايا هؤلاء "الشهود" وفي طليعتهم قادة الأجهزة الأمنية الذين أقالتهم حكومته الأولى، ليصار بعدها إلى إعتقالهم ظلماً لمدة أربع سنوات من دون أي مسوغٍ قانونيٍ.
وفي شأن التعاطي مع الأزمة السورية، فقد دفعت "الوسطية" ميقاتي إلى تهديد الاستقرار اللبناني من خلال قبول مساعدات إيطالية لـ "النازحين السوريين" بقيمة 150 الف يورو عن طريق الهيئة العليا للإغاثة، تنفيداً لتعليمات وزير الخارجية الإيطالية، ومن دون العودة إلى مجلس الوزراء، على غرار تعاطيه مع مسألة تمويل "المحكمة".
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر متابعة لحركة "النازحين" أن معظم السوريين الذين دخلوا الأراضي اللبنانية عقب الحوادث السورية، هم فئتين: الأولى من المطلوبين للعدالة في بلادهم ويحظون برعاية "التكفريين" وحزب "المستقبل" والفئة الثانية موجدة في ضيافة أقاربها في الجانب اللبناني.
وفي هذا الصدد، يطرح سؤال ملّح، هل يشكل قبول هذه "الهبة" مدخلاً لقبول هبات من دولٍ أخرى، وبالتالي الشروع في إقامة مخيم لـ "النازحين" في عكار تحت ستارٍ إنسانيٍ، ليتحول إلى قاعدةٍ لإنطلاق العمليات الإرهابية في إتجاه الأراضي السورية؟ لا سيما أن وزير الدفاع اللبناني فايز غصن أقرّ بوجود عناصر إرهابية في لبنان تحت ستار أنهم من "المعارضة السورية". الأمر الذي يعد تدخلاً في الشوؤن السورية، ويشكل خرقاً لاتفاق التعاون والتنسيق بين لبنان وسورية، تماهياً مع سياسة الدول الغربية وبعض ملحقاتها العربية.
أما في شأن التعيينات الإدارية المرتقبة، فهل ستستخدم "الوسطية" مجدداً للإطاحة بمرشح تكتل التغيير والإصلاح لمنصب رئيس مجلس القضاء الأعلى بذريعة إيجاد قاضٍ "وسطي" ينال تعيينه موافقة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، والعماد ميشال عون في آن؟ في ضوء إنعدام هذه "الوسطية" في التعاطي القانوني مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي والنائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا ورئيس "شعبة المعلومات" العقيد وسام الحسن المقام في حقهم دعاوىٍ قضائية مقدمة من اللواء جميل السيد، وبعد الكلام على تورط بعضهم في ملف "الشهود الزور".
فلم يطبيق الرئيس "الوسطي" مبدأ المعاملة بالمثل كما تصرف مع قادة الأجهزة الأمنية السابقين والنائب العام التمييزي السابق القاضي عدنان عضوم، الذين وضعهم بتصرف الوزرات المختصة غداة اغتيال الحريري، قبل أن يصدر في حقهم اي قرار يدينهم.
بعد عرض هذه الوقائع الموجزة لأداء رئيس الحكومة ، لا يفهم من هذه "الوسطية" غير أنها تكريس لنهجٍ سابقٍ، مع تغيير أسم "الزعيم".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك