لمدينة الشويفات وجهان: المدينة المكتظة، حيث تمرّ في شوارعها آلاف السيّارات يومياً، وتدور فيها دورة اقتصاديّة أكبر من حجمها. وقرية كبيرة، يعرف الجميع جيرانه. يهتم لأمورهم، ويتصرّف كأنه مسؤول عنهم. مدينة الشويفات نفسها واجهة لجبل يمتدّ ويصل إلى عاليه والشوف. هي، أيضاً، خط التقاء الضاحية الجنوبيّة مع الجبل. خط التقاء منطقتين مكتظتين، سكانياً وبالتراكمات السلبيّة. منطقتان، يبدو أن العامل العشائري هو العامل الأكثر تأثيراً فيهما.
يُحاذر الجميع، عند الحديث عن طريق صيدا القديمة من الكفاءات إلى خلدة. في البال صورٌ ليست بعيدة جداً، لكن الجميع يُريد إبعادها عن مدى نظره. صورة أيّار 2008 في بال الكثيرين. نتائجها لا تزال حيّة. منها تحوّل المشايخ في الوسط الدرزي إلى آمرين ناهين لا أحد يُناقشهم. هم حماة الديار، وهم الذين دفعوا دماءهم فداءً. هؤلاء المشايخ المنتشرون في معظم القرى، باتوا خارج أي إطار حزبي. لا أحد يُسيطر على حركتهم. يجمعون شبّان القرى، والصبايا أيضاً، في حلقات ومجموعات تتأهب للدفاع عن الأرض والعرض كما يقولون.
لا يقف الأمر عند حركة المشايخ. تنضم العائلات إليهم. لا أحد يُسيطر عليها أيضاً، سواء في الشويفات أو في الضاحية الجنوبيّة. تصطدم العائلات في لحظة، ويتحوّل أي خلافٍ فردي إلى مشكلة تحتاج إلى أسابيع للحلّ. بعد إشكال الشويفات الأخير الذي ذهب ضحيّته شاب من آل شيت، تجمّع عشرات الشبان في الأحياء متأهبين للدفاع عن المنطقة عند قيام أهالي الضحيّة بحرق الدواليب. ردّ الفعل حينها لم يقتصر على الشويفات. باص أُحرق، وآخر جرى التعرّض له على طريق شتورة ـــــ بيروت.
الأطراف السياسيّة الفاعلة في المنطقة لا تزال تلتقي دورياً. اللجنة الثلاثيّة التي تضم الحزب التقدمي وحزب الله والحزب الديموقراطي تجتمع. لكنّها قاصرة عن منع الإشكالات. عملها يقتصر على معالجة الذيول. في اللجنة عطب تمثيلي. هناك من يرفض انضمام الحزب السوري القومي الاجتماعي إليها، وهناك من يرفض انضمام حزب التوحيد العربي، الذي يتبرّع رئيسه الوزير السابق وئام وهّاب بمركزٍ لحزبه في هذه المنطقة ليكون مقراً للجنة أمنيّة تضمّ الجميع ويكون رئيسها الجيش اللبنانيّ. هنا تقع مشاكل عدّة. الحزب الديموقراطي يرفض الاعتراف بوئام وهّاب. الأسوأ، أن الجيش اللبناني يسحب نفسه من الموضوع لأسباب غير معروفة.
أوّل من أمس زار وهّاب يُرافقه نائبه سليمان الصايغ النائب وليد جنبلاط، والبحث تركّز على هذا الموضوع. الجميع متخوّف من توتّر يزداد مستواه في هذه المنطقة.
في أحد الاتصالات التي جرت مع مدير الاستخبارات في الجيش العميد إدمون فاضل، رفض الأخير تعزيز عديد الجيش في منطقة الشويفات. أبلغ المتصلين به بأنه يُمكن أن يُساعد بالطلب من قيادة قوى الأمن إرسال قوات الفهود. وكأن فاضل يُريد إشعال المنطقة. كيف يُمكن الفهود أن يكونوا قوات فصل، وهم قوات اشتباك؟ يقول أحد المعنيين بالموضوع وهو يُذكّر بانتفاضة سجناء رومية. الفهود تدخلوا في السجن. بعض الأهالي، أو بعض العائلات لديها نقمة على هذه القوات. أصلاً، الثقة بقوى الأمن مهزوزة. لماذا لا يُرسل الجيش؟ لا أحد يملك الجواب.
وفي المعلومات التي يقولها عدد من المعنيين بملف المنطقة، فإن ردّ فعل الجيش على المشاكل تكون متفاوتة. أحياناً، يكون الردّ سريعاً. تصل مجموعات الجيش في دقائق. أحياناً كثيرة يكون التفاعل بطيئاً جداً. «ينتظرون الدم ليسيل ثم يأتون ليبدأوا بالاعتقالات» يقول أحد المعنيين. تفاعل الجيش مرتبط بهمّة الضابط المناوب، أو بكثافة الاتصالات، «هناك من يشغل نفسه بالبحث عن مطلق بضع رصاصات هنا أو هناك في قرية صغيرة، لكنّه غير مستعد للتدخّل لمنع هذه المشاكل» يقول أحد السياسيين المتابعين لهذه المنطقة. يُضيف الرجل: «من غير المقبول أن يكون الجيش وقوى الأمن قادرين على معرفة أصغر مخالفة بناء في الشوف أو في عاليه، لكنّهم غير قادرين على معرفة من يُعدّ لإشكال دموي».
وإذا كانت لأهالي الضاحية مشكلة مع قوى الأمن، فإن لأهالي عاليه موقف سلبي من الجيش، وإن كان هناك سعي إلى ضبط هذا الموقف. في الوجدان، الجيش قاتل أهالي هذه المنطقة. أحد المسؤولين الحزبيين يروي كيف أن والده رفض مساعدته في الانضمام إلى دورة ضباطٍ في الجيش، ثم أبلغه أنه في حال قبوله، ممنوع عليه الدخول إلى المنزل العائلي بالبزة الرسميّة. لا بدّ أن المسؤولين في الجيش يعرفون هذا الأمر. «الصورة تعدّلت مع أحداث نهر البارد. صار الجيش حامياً وضحيّة، لكنّ أحداث السابع من أيّار ثم مار مخايل أضعفت هذه الصورة» يقول أحد المسؤولين الحزبيين.
يُضيف هذا المسؤول أن الجيش قادر اليوم على إعادة تأكيد دوره الوطني وضبط المنطقة. هو ممثل الدولة وهيبتها. في الوقت عينه يتخوّف من أن ابتعاد الجيش عن الأرض، قد يُهشّم أكثر من صورته، «ونحن لا نريد ذلك. نريد الدولة أقوى».
يُجمع معظم المعنيين على أن تصرّفات القوى السياسيّة تكون فاعلةً بعد أي حادثٍ. ويُجمع هؤلاء أيضاً على وجود مجموعات عائليّة أو ذات طابع مناطقي لا تخضع لسلطانهم. لذلك يُريدون أن يكون الجيش باسطاً لسلطته على الأرض. يرفعون الشكوى، وقد يوصلها أحد إلى قائد الجيش قريباً. امنعوا الفتنة يقول هؤلاء، حتى لو كان بابها عملاً طائشاً وفردياً.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك