إنتابت اللبنانيين مخاوف كبيرة وهم يتابعون أمس وقائع ما خلّفه التفجيران الإنتحاريان في دمشق، من أن يكون لبنان قد إقترب من «عين العاصفة» وإحتمال إمتداد ألسنة نار الأزمة السورية إليه، خصوصاً وأن القوى السياسية اللبنانية منقسمة بحدة إزاء هذه الأزمة بين مؤيدة للنظام السوري وبين مناصرة لمعارضيه.
ولعل ما رفع منسوب هذه المخاوف أكثر فأكثر أن هذين التفجيرين اللذين استهدفا مقر جهاز أمن الدولة ومقراً آخر للمخابرات السورية وقعا بعد ايام على المعلومات التي كشفها وزير الدفاع فايز غصن عن تسلل عناصر من تنظيم "القاعدة" الى سوريا انطلاقا من بلدة عرسال على الحدود اللبنانية ـ السورية، في الوقت الذي اعلنت الخارجية السورية ان سوريا تلقت من لبنان منذ يومين تحذيرات من ان عناصر من "القاعدة" تسللت من أراضيه الى أراضيها.
وقد تناقضت التحليلات حول هذا التطور الأمني السوري الخطير لكنها أجمعت على إعتبار ان سوريا دخلت بنتيجته في طور خطير من الأزمة التي تعيشها، جاء بعد ساعات من وصول طليعة المراقبين العرب بعدما وقعت دمشق البروتوكول الخاص بمهمتهم والذي يشكل جزءا لا يتجزأ من مبادرة جامعة الدول العربية لحل الأزمة السورية كذلك جاء في ظل دعوة المعارضة السوريين الى التظاهر تحت عنوان "جمعة بروتوكول الموت" في إشارة الى إعتراضها على مهمة المراقبين، فاذا بالموت يضرب قلب دمشق فيما هؤلاء المراقبين يستعدون للبدء بمهمتهم.
والى هذه التحليلات بدا مشهد المواقف السياسية اللبنانية إزاء هذا المستجد السوري كالآتي:
- مؤيدو النظام لاحظوا ان الوضع السياسي لـ"محور الممانعة والمقاومة" كلما تحسّن، كلما إزداد الوضع الأمني توتراً وعنفاً، وان معارضي النظام تحقيق انجازات في الميدان، لجأوا الى ارباك هذا النظام باعمال التفجير. ويقول هؤلاء ان المثلث الفرنسي ـ التركي ـ القطري كان التزم مشروع اسقاط النظام السوري، ولكن دخول العراق على خط الازمة السورية أضعف الدور القطري فيما ارتبكت أنقرا وإنكفات قليلاً نتيجة مرض رئيس وزرائها رجب طيب اردوغان من جهة وفشلها ميدانيا في سعيها الى اقامة مناطق عازلة لتكون "بنغازي" سورية على غرار بنغازي الليبية قبل سقوط نظام القذافي من جهة ثانية، أما الفرنسيين فيبدو أن الآمال التي علّقوها على أنقرة قد خابت، فبدأوا حملة ضدها بحجة انها "ورطتهم" في الوضع السوري ولم يتمكن من تحقيق اي انجاز يُبني عليه ميدانيا ودولياً لاسقاط النظام، ولذا بادر الرئيس نيكولا ساركوزي الى فتح ملف الإبادة الأرمنية في وجهها ليصيب عصفورين بحجر واحد: تعزيز رصيده الانتخابي على ابواب الانتخابات الرئاسية، وإفهام التركي بأن باريس هي البوابة الوحدية التي تؤمن إنضمامه الى الإتحاد الأوروبي لكن عليه ان يقدم "المقابل السوري" المطلوب منه.
ويضيف مؤيدو النظام السوري "ان خصومه عندما وصلوا الى أفق مسدود كان التفجير الانتحاري، إذ كان رهانهم ان دمشق لن توقع المبادرة العربية، ولكنها وقّعتها بعد أن تلقت "لقاحات برودة" من موسكو وطهران وتصرفت سياسيا بعيدا الإنفعال ووقّعت البروتوكول، ما سبب احراجا كبيرا للمعارضة والقوى الإقليمية والدولية الداعمة لها".
ويعتقد هؤلاء "ان المعارضين قد يكسبون من التفجيرين معنويا في انهم تمكنوا من تفجير مقري أمن الدولة والمخابرات، أي المخ الامني للنظام، ولكن هذا النظام هو الرابح بالمعطيين السياسي والشعبي على رغم ما خلفه من خسائر في الارواح والممتلكات، وإذا كان المراقبون العرب جاؤوا الى سوريا ليتثبتوا من أن المعارضة سلمية أم غير سلمية فأن التفجير يدل على أنها غير سلمية".
المعارضون والمحايدون
- وفيما ذهب المعارضون الى حدود إتهام النظام بـ"تفجير" أمنه، فإن السياسيين المحايدين، وأن كان بعضهم لا يؤيد النظام إستبعدوا هذه الفرضية ، ليؤكدوا ان الوضع السوري الماثل يدل على ان المعارضين ليسوا بقادرين بعد كل ما جرى حتى الآن على اسقاط النظام، وأن النظام في المقابل ليس بقادر بعد على حسم الموقف لمصلحته. وفي ضوء هذه المعادلة لذلك يرسم هؤلاء المحايدون المشهد السوري بصورة متشائمة كالآتي:
"ـ أولاً، أن الاوضاع في سوريا تتجه نحو حرب اهلية.
ـ ثانيا، إندلاع حرب مذهبية بين الاقليات والبورجوازية السُنية من جهة والحركات الاسلامية الأصولية من جهة ثانية.
ثالثاً، ان المعارضة السورية مجزأة: المعارضة التي تضم المثقفين لا تأثير لها في الوضع على الارض، والمعارضة الخارجية الممثلة بـ"المجلس وطني" لا تملك أي فعالية، فيما المعارضة السلفية هي المؤثرة والتي تخوض المواجهات ضد النظام، ولكن في المحصّلة فإن المعارضة بكليتها غير متماسكة وغير قادرة على الحسم، ولكنها قادرة على اثارة الفوضى.
ـ رابعا، إن الخارج عاجز عن الحسم في الوضع السوري، أولاً، لعدم قدرته على التدخل المباشر فيه، وثانياً، لوجود توازن بين روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة الاميركية وحلفائها الغربيين والاقليميين من جهة ثانية، وثالثاً، لأن الاميركي والغربي محتارين بما يجعلهما غير مستعجلين إسقاط النظام إذ انهما لم يتمكنا من الربط مع معارضة متماسكة تستطيع قيادة معركة جدية لإسقاط هذا النظام".
ولكل هذه الاسباب يرى هؤلاء المحايدون "ان الأزمة السورية ما تزال طويلة وليس في الأُفق ما يشير الى توافر حلول قريبة لها، وأن كلا الطرفين يصعّد أمنيا الى درجة الفوضى والدموية لأن لا احد منهما قادر بعد على الحسم
ويضيف المحايدون الى هذا الواقع ما يسمونه "المعادلة الايرانية" ويرون ان طهران تهدد خصوم دمشق بأنهم اذا كانوا يرديون اسقاط حليفهم السوري الاستراتيجي، فإنها لن تقف مكتوفة، وهذا ما يفسر تحرك دول الخليج في اتجاه اقامة وحدة في ما بينها لحماية نفسها وقد عبّرت عن ذلك قمة دول مجلس التعاون الخليجي الأخيرة.
اما في شأن لبنان، فيرى السياسيون المحايدون إزاء الوضع السوري ان "ليس هناك حكمة لدى القيادات والشعب على حد سواء، توفر القدرة على حماية البلد من العاصفة الآتية"، ويقولون "ان المسؤولين يتصرفون بعيداً عن المسؤولية، وأن نضوج الشعب ليس كفيلاً وحده بالتعاطي مع التعقيدات الكبرى، اذ ان البعض يتعاطى مع ما يجري بمذهبية وعاطفية وانفعالية، في ظل وجود قيادات يمسكها الخارج ويفقدها أي استقلالية في التصرف. وفي هذه الحال ما على اللبنانيين إلاّ الدعاء "اللهم نجّنا من الآتي".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك