أعاد مشهد انفجارَي أمس الى الأذهان كابوساً ظنّ اللبنانيّون أنّهم استيقظوا منه. ولكن، بعيداً عن الجرم الذي ارتُكب بالأمس، على يد التنظيم الذي تبنّى العمليّتين الانتحاريّتين، ألسنا نملك كلبنانيّين بعضاً من المسؤوليّة في ما حصل، أو ما نتج عنه أو، حتى، تسبّب به؟
ألسنا نحن من يقول، عند سقوط شهداء من الجيش اللبناني: "حرام مسيحي"، أو "حرام سنّي"، أو "حرام شيعي"؟ ألسنا نحن من يهتمّ بطائفة القتيل والقاتل، قبل أن نتعاطف مع أيّ منهما؟ وكم من قاتلٍ تعاطفنا معه، فقط لأنّه من طائفتنا...
ألسنا نحن من ناصر الفلسطينيّين في مواجهة لبنانيّين، فقط لأنّهم ينتمون الى طائفتنا؟ ألسنا نحن من وضع صورة الصليب على بنادقنا في حروبنا التافهة؟ هذا الصليب الذي قال من رُفع عليه، قبل أن يسلم الروح: "اغفر لهم يا أبتِ لأنّهم لا يدرون ما يفعلون". متى كانت المرّة الأخيرة التي غفرنا بها؟ ألم نقتل على الهويّة، أي الطائفة، ونحكم على الهويّة، ونناصر أو نعارض على الهويّة؟
ألسنا، أيضاً، ندعم هذا الفريق أو ذاك في سوريا من منطلقٍ طائفي. هناك من يقول إنّ "النظام" يقتل أبناء السنّة. ومن يناصر "النظام" لأنّه يحمي الشيعة والمسيحيّين. تتحكّم الطوائف بأفكارنا وعقولنا ومشاعرنا. تبّاً لهذه الطوائف التي تقتل وتكره وتزرع الحقد في النفوس!
من فجّر نفسه أمس في برج البراجنة لا دين له. ومن سقطوا شهداء يجب ألا نتعاطف معهم أو نفغل عنهم بسبب دينهم. هو مجرمٌ معتوه، وهم بشرٌ أبرياء، منهم من كان عائداً من مدرسة أو من عملٍ يكدّ فيه ليل نهار ليطعم أولاده. منهم العامل، وربّة البيت والمدرّس والطفل الذي يلهو مع أصدقائه. من غير الجائز أن نَقتل بسبب انتمائنا الديني ولا أن نُقتل بسببه.
نحن بشر، نشعر ونفكّر ونتألم ونذرف الدموع ونضحك، ونفعل ذلك ليس لأنّنا ننتمي الى هذا الدين أو ذاك. أما من يزنّر نفسه بالعبوات ويمضي ليفجّر نفسه بين أناسِ لا يعرفهم، ومنهم الأطفال والنساء الحوامل، والرجال الذين يكافحون من أجل لقمة عيش، ثمّ يصدر بياناً يشير فيه الى أنّ "الله يسّر العمليّة" فهو ينتمي الى فئةٍ أخرى، لم يكتشفها العلماء حين حدّدوا من يعش على هذا الكوكب، من بشرٍ وحيوانات ونباتات... فأغفلوا صنفاً رابعاً.
وبعد، نخشى أنّنا لن نتعلّم. غداً، أو بعده، سننسى ما حصل. من تضامن منّا مع الضحايا سيعود الى التمترس خلف طائفته. هناك من سيقول "منيح الانفجار مش بمنطقتي"، وهو يقصد بذلك أنّ الضحايا من غير طائفته. وهناك من سيقول كلاماً طائفيّاً أبشع.
لعلّ من نجا منّا جسداً من الانفجارات المتتالية قتلت روحه الطائفيّة، ونكاد نحتار أيّ "موتة" هي أبشع...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك