بين الأزمة السوريّة المتوالية فصولاً والتي تجعل ساعة الوضع اللبنانيّ معلّقة عليها، وبين استحقاق تجديد العمل ببروتوكول المحكمة الدوليّة أو عدمه مطلع آذار المقبل، يُنتظر أن يكون الوضع الداخليّ مفتوحا على احتمالات شتّى، خصوصاً إذا لم تستوِ العلاقة بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبين فريق 8 آذار بعد أزمة تمويل المحكمة الدوليّة.
يقول قطب بارز في فريق 8 آذار إنّ "الرسالة وصلت"، معلّقاً على ما حصل في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء من تصويت لمصلحة مشروع وزير العمل شربل نحّاس أسقط مشروعا "رضائيّا" توصّلت اليه الهيئات الاقتصادية والاتّحاد العمّالي العام برعاية ميقاتي على هامش تلك الجلسة.
والذي وصلته الرسالة هو رئيس الحكومة الذي سارع الى التعليق إثر تلك الجلسة للتأكيد شخصيّاً أنّ "الرسالة وصلت" ملتزماً نتيجة التصويت الوزاري. لكن هذا القطب أكّد أنّ رئيس الحكومة كان تلقّى قبل أيّام سبقت جلسة التصويت على مشروع نحّاس "رسالة كبيرة جدّا" تتخطّى الرسالة المتعلّقة بموضوع زيادة الأجور الى مستقبل العلاقة بينه وبين فريق 8 آذار مع اقتراب موعد انتهاء صلاحية العمل ببروتوكول المحكمة الدولية مطلع آذار المقبل، حيث سيكون رئيس الحكومة ملزماً بعرض أمر تجديد العمل بهذا البروتوكول على مجلس الوزراء، على الرغم من أنّه يدرك أنّ الاكثرية الوزارية لن توافق عليه، ويدرك في الوقت نفسه أنّه لا يستطيع ان يوجد ايّ مخرج لهذا الموضوع خارج مجلس الوزراء كما فعل في شأن موضوع تمويل المحكمة عبر حساب الهيئة العليا للإغاثة في مصرف لبنان استنادا الى المخرج الذي اوحى به اليه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي وجنّب الحكومة الاستقالة بعدم تنفيذ ميقاتي تهديده بالاستقالة إذا لم يتمّ التمويل، وجنّب البلاد تاليا خطر الوقوع في فراغ حكومي طويل.
ويشير القطب نفسه الى "أنّ لبنان غير ملزم، ولا أحد يستطيع أن يلزمه، بتجديد العمل ببروتوكول المحكمة، وأنّ ميقاتي في حال لوّح بالاستقالة مجدّدا إذا لم توافق الاكثرية الوزارية على هذا التجديد، وهو يعرف منذ الآن انّها لن توافق، فإنّ البلاد ستدخل في مرحلة سياسيّة جديدة محفوفة بكثير من المخاطر، خصوصا إذا تغيرت الاصطفافات والتموضعات السياسية الراهنة في ظلّ التطورات المتلاحقة التي تشهدها الساحة السوريّة". ويكشف القطب في هذا السياق أنّ ميقاتي الذي ردّ مباشرة على من ابلغه "الرسالة الكبيرة" مؤكّداً رغبته في فتح "صفحة جديدة"، مشفوعة بتبريرات للأسباب التي دفعته الى التلويح بالاستقالة، مشيرا الى أخذه بنصيحة برّي في شأن مخرج التمويل.
لكنّ ميقاتي سمع بالمقابل ممّن أبلغه الرسالة "عتباً كبيرا" على أنّه لم يستشر أحداً عندما لوّح بالاستقالة، في الوقت الذي تصرّف حلفاؤه في الأكثرية داعمين له لتكريس زعامة كبيرة في بيئته وعلى المستوى الوطني ولم يتوقّفوا عند أشياء كثيرة حصلت ومواقف اتّخذها ووجدوا في بعضها احيانا خروجا، او عدم انسجام مع توافقات سابقة تمّت بعد تأليف الحكومة حول ملفّات كثيرة حسّاسة، ومنها التمويل ومنها ما يتّصل بالعلاقات بين الحلفاء، ووجوب الأخذ في الاعتبار مصالحهم السياسية بما يحصّن مواقفهم، وتاليا موقف الجميع في موافقة الخصوم الذين رفعوا منذ سقوط حكومتهم وما يزالون شعار إسقاط الحكومة والأكثرية التي أنتجتها.
وبحسب القطب البارز نفسه فإنّ "الرسالة الكبيرة" التي تبلّغها ميقاتي احتوت ايضاً على الطلب منه ان يحسم أمره باكراً سلبا أو إيجاباً في شأن بروتوكول المحكمة، لكي لا يتكرّر ما حصل حول التمويل، من تلويح بالاستقالة وخلافه، حتى يبنى فريق 8 آذار على الشيء مقتضاه منذ الآن، وأنّه إذا كان ينوي الاستقالة فإنّ عليه ان يفعل ذلك منذ الآن، وأن يدرك أنّ خطوة كهذه ستضع البلاد أمام مرحلة مفتوحة على احتمالات شتّى لن تكون بالطبع مساعدة على تأليف حكومة جديدة بسلاسة وسهولة. أمّا إذا كان لا ينوي الاستقالة فإنّ عليه أن يطرح موضوع تجديد العمل ببروتوكول المحكمة على مجلس الوزراء ويتمّ التصويت عليه، فإذا جاءت النتيجة سلبيّة، عندئذ يمكن ميقاتي أن يكون في حلّ من أيّ إحراج، ومثل هذا المخرج كان متّفقاً عليه أن يتمّ في شأن التمويل، لأنّ رئيس الحكومة لم يطرحه في مجلس الوزراء ويترك للأكثرية الوزارية أن تصوّت عليه، بل ذهب الى خيار التلويح بالاستقالة، الأمر الذي دفع برّي الى الدخول على الخطّ والنصح بالمخرج الذي كان، لتلافي ما كان يمكن أن يكون...
وفي انتظار "استحقاق البروتوكول"، إذا جاز التعبير، وفي ضوء "الرسالة الكبيرة" أيّاها، يؤكّد القطب أنّ مرحلة جديدة ستبدأ مع بداية السنة الجديدة، ستنصبّ خلالها الاهتمامات على الآتي:
أوّلاً، بَتّ ملفّ "الشهود الزور" في قضيّة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بإحالته على القضاء اللبناني، بعدما رفعت المحكمة الدوليّة يدها عن هذا الموضوع معيدة الصلاحية إليه.
ثانياً، إجراء التعيينات الإداريّة لملء الشواغر في كلّ الإدارات والمؤسّسات العامّة، لأنّ التأخير في إنجاز هذه الخطوة ليس له ما يبرّره، ولا يجوز ان يكون هناك أيّ خلاف حوله بين "أبناء الصفّ الواحد الذين اجتمعوا في "حكومة كلّنا للوطن، كلّنا للعمل".
ثالثاً، السير قدُما في تنفيذ المشاريع الحيويّة والكبيرة التي تقرّرت وفي مقدّمها مشروع الكهرباء ومشروع التنقيب عن النفط في البحر والبر بعد إنجاز المراسيم التنفيذيّة والمناقصات وكلّ الترتيبات اللازمة، وإعطاء سلفات الخزينة اللازمة لهذه المشاريع، واستكمال تنفيذ مشروع سدّ العاصي بعد خروج الشركة الصينيّة التي كانت التزمته، بسبب بعض التعقيدات التي واجهتها، ولم تساعدها الحكومات السابقة على تذليلها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك