ها هو خلد إلى النوم من دون قصّة، فما عساي أخبره في هذه الليلة بالتحديد؟
أأخبره عن إستقلال هلّلنا له، فرحنا به، واستقبلناه بأغصان الزيتون داخلاً مدينة تشبه بمجدها أورشليم؟
أأخبره عن ذاك التحرير الذي وقع ضحيّته الآلاف والآلاف من الشهداء اللبنانيين أو عن مصدر الـBonjour، الـBonsoir والـAprès vous Madame؟
أأخبره أنّه من أجل بلوغ الاستقلال هذا كان على المسيحيين أن يتنازلوا عن مطلب حماية فرنسا لهم وأن يتنازل المسلمون عن طلب الإنضمام إلى الداخل السوري؟ فيعيد التاريخ نفسه وتلعب سخرية القدر لعبتها هنا... أو عن إحصاء الـ1932 الذي كلّل المجموع الكلّي للمسيحيين بـ51.8 في المئة على عرش الأكثرية والمسلمين بـ48.2 في المئة؟ كي يعود ليسألني بعدها ما معنى الطائفة أمي؟ ولمَ وجودها مؤثِّر في بلادي؟ فأحتار وأحتار وأعود أدراجي، متمالكة نفسي ومهدّئة نفسه "لا عليك حبيبي، لن تؤثر بنا".
أأخبره عن شعب بات بأمسّ الحاجة إلى الإستقلال عن بعضه البعض، كون تشرذمه أمسى أفظع من ثقل الانتداب الفرنسي الرهيب ذاك؟ فها هو قصره فارغ، مكدّس بالغبار والسبب هو... ها هو دستوره أشبه بالقصص الخارقة والسبب هو... ها هي قوانينه "كبيرة وعريضة" لكنّها غير مطبّقة والسبب هو... ها هو نظامه يسير ويسير من دون أن يدرك معنى السير والقيادة والسبب هو... ها هو اقتصاده معرّى، معدم ومستوى معيشته على الحضيض والسبب هو... ها هو طعامه مجرّد من شروط النظافة البسيطة، ودواؤه يهرّب والسبب أيضاً هو...
أأخبره عن المسيحي الذي يشمئز من مسلمي بلده أو عن المسلم الذي يدنِّسه وجود المسيحي بقربه، أو عن الله الواحد المخلص، العظيم ورحمته "من جيل إلى جيل لجميع الذين يتقونه، هو الذي حطّ المقتدرين عن الكراسي ورفع المتواضعين وأرسل الأغنياء فارغين"؟
أأخبره عن الظلم والقمع اللذين عاشهما معاصرو الإنتداب، أو عن تلك المقاومة الحقيقيّة الداخليّة التي وقفت بوجه احتلال نخر عظامنا وسلخ لحمنا من الوريد إلى الوريد؟ أم أكتفي بلبنان جبران وحرّيته وفصوله العجيبة وكرم ضيافته وقرب بحره من جبله...
بربكم قولوا لي ماذا أخبره اليوم؟ لن أتجرأ أن أطرح المقارنة بين العصر الفرنسي وعصرنا فالمسألة واضحة على مختلف الأصعدة خصوصاً أنّنا "عالوعد يا كمّون"... لا لن أتجرأ خوفاً من أن ينظر إليّ بعينيه الزرقاوين، متفاجئاً بعد "الروشة الفرنسيّة" في الأمس القريب وإجتياح العلم الإنتدابي ومفخرة الـ Je suis Paris فيأتي سؤاله الأصعب "أنحن شعب ينسى ويتناسى أمي، أو شعب خُلق ليكون ضحيّة من مهده إلى لحده"؟
"إذا أردنا أن نعلّم السلام الحقيقي في هذا العالم، ونخوض حرباً ضدّ الحرب، علينا أن نبدأ بأطفالنا"، الحق معك غاندي لكن أعذرني هذه المرّة أنت وولدي، فما من رواية مشّرفة أخبركما إياها...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك