السياسة الكويتية
جاء في صحيفة "السياسة" الكويتية: كلما استمر مخاض الثورة السورية مدة اطول في صراعها الدامي الشرس مع النظام الذي التهم طوال الاشهر العشرة الماضية اكثر من ستة آلاف قتيل قضى ربعهم على الاقل تحت التعذيب، ومئة الف معتقل حسب اخر اعلان من نوعه لرئيس "المجلس الوطني السوري" برهان غليون, عشية انبلاج فجر العام الجديد, اضافة الى اكثر من 50 الف هارب الى خارج الحدود في لبنان وتركيا والاردن حتى العراق, ودول مجلس التعاون الخليجي ومصر وبعض عواصم اوروبا والولايات المتحدة، كلما اقتربت سورية ولبنان معا من مفترق واحد لطريقين لا ثالث لهما، سترسم معالمهما بكل وضوح خلال الاشهر الستة الاولى من هذا العام، وهما اما ظهور مفاجآت مذهلة تطيح نظام بشار الاسد وعصاباته وتقضي عليهم او تزج بهم في السجون وامام محاكم جرائم الحرب وانتهاك حقوق الانسان، ليتشكل على اثرها نظامان ديمقراطيان قويان وآمنان في دمشق وبيروت، او ان يكون النصف الثاني من العام الجديد 2012 بداية عام التقسيم اثر حربين اهليتين تأتيان على الاخضر واليابس في البلدين وتحولانهما الى صومال او افغانستان جديدتين لا تقوم لهما قيامة في المستقبل المنظور.
وكشف مسؤول فرنسي، في إدارة الرئيس نيكولا ساركوزي، أول من أمس، هذين السيناريوهين المتوقعين بشدة ووضوح امام القيادات الاوروبية والعربية في باريس، ضمن حديث له امام عدد من ديبلوماسيين عرب واجانب لمناسبة اطلالة العام الجديد، حول نتائج الربيع العربي او تداعياته على لبنان وسورية بشكل خاص، حيث أعرب عن مخاوفه من هشاشة جامعة الدول العربية، بحيث تكون اعطت نظام الاسد الجديد فرصة تفجير الفتنة الطائفية والمذهبية الدامية لشق البلاد وتحويلها الى دويلات غير متجانسة، "إذ لا يمكن استعادة لحمتها في المستقبل بسهولة"، كما اعطته استخدام ورقة لبنان ذريعة للنيل من المجتمع الدولي والدول العربية السنية التي تحتضنه منذ زوال الاحتلال العسكري السوري له العام 2005 عبر تفجير حرب مذهبية - طائفية مقابلة فيه تنهب بهذا البلد الديمقراطي.
ونقل أحد الديبلوماسيين الاوروبيين عن المسؤول الفرنسي لـ"السياسة" قوله "ان هذا السيناريو السلبي جدا والقاتم لمصير لبنان وسورية قد يكون الدافع السريع وراء استنفار القوات الجوية البريطانية في جزيرة قبرص والقوات الخاصة التركية في الشطر التركي منها والقوات الاميركية الصاروخية والجوية في اسطولي المتوسط الجاثمين حاليا امام سواحل سورية ولبنان وعلى متنيهما نحو 240 طائرة مقاتلة، وترافقهما سفن اطلاق صواريخ من طراز (كروز) توما هوك, استباقاً لما قد يحصل من تطورات دراماتيكية في مدن دمشق وحمص وحماة واللاذقية ودير الزور, حيث يبدو ان القوى المناوئة لنظام الأسد خطت خطوات حثيثة باتجاه فتح المعركة العسكرية المسلحة معه, بعد فشل النظام العربي في نهيه عن مجازره وجرائمه وتردده في احالة الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي ومحكمة الجنايات الدولية، وبعدما ارتفع عدد عناصر "الجيش السوري الحر" الى اكثر من 40 الفا خلال الاشهر الثلاثة الماضية، وعثور الدول المحيطة بسورية وهي تركيا والعراق وخصوصا الاكراد ولبنان والاردن واسرائيل على طرقات تهريب للسلاح ثابتة الى الثوار والعسكريين".
وتوقع المسؤول الفرنسي ان "تضطر جامعة الدول العربية في مدة اقصاها منتصف فبراير المقبل، الى تحويل الملف السوري الى مجلس الأمن وان تكون الاجهزة الامنية والقوات الخاصة الغربية والتركية وربما الاسرائيلية، قد استقرت داخل حدود سورية الملتهبة, تمهيدا لاتخاذ مواقف شديدة الاندفاع باتجاه فرض منطقة حظر جوي على المدن السورية المستهدفة من النظام وحظر تحرك الدبابات السورية على الاراضي، تماما كما حدث في ليبيا, وتدمير الآلة العسكرية السورية التي تنتقل الآن من مجزرة الى مجزرة ومن مدينة الى مدينة ومن محافظة الى محافظة".
كذلك، توقع المسؤول الفرنسي ان تتضح المعالم النهائية للثورة السورية خلال الاشهر الثلاثة المقبلة، وان يحدث تغيير جذري في رئاسة وقيادة "المجلس الوطني السوري" بحيث يطاح برهان غليون وبطانته "التي بدأت تشذ عن توجهات شارع الثوار"، بعدما اعتقدت انها تمكنت من الوقوف على ارض صلبة ومن التفرد باتخاذ القرارات كما فعل غليون عندما لم يستشر احدا من القوى الثورية الداخلية ولا من اعضاء مجلسه الوطني في الخارج، في مسألة توقيع اتفاق تحت مسمى "توحيد المعارضة السورية" مع "هيئة التنسيق الوطنية" المعروفة بقربها من بعض رموز نظام الاسد وخصوصا نائبه فاروق الشرع، حيث أن احد قادة "هيئة التنسيق" هيثم المناع, هو ابن شقيق الشرع، وقد تمكن من حمل غليون على التوقيع على رفض اي تدخل عسكري خارجي في سورية ضد النظام في الوقت الذي نضجت فيه افكار القبول بهذا التدخل على غرار تدخل "حلف شمال الاطلسي" في ليبيا لإنقاد الشعب الثائر, خصوصا بعدما منحت جامعة الدول العربية الفرصة الاخيرة لتجنب هذا التدخل الاجنبي, لكنها اثبتت انها عاجزة وعديمة التأثير على نظام لا يفهم الا بلغة الصواريخ والطائرات والدبابات والتدمير والقتل.
ودعما للمطالبة بتنحي غليون عن رئاسة المجلس الوطني, "لتواطئه" مع من يعارض الثورة الداخلية من معارضين خارجيين مزعومين, أصدر احد احزاب المعارضة السورية في واشنطن اول من امس, بياناً يعبر عن وجهة نظر فئة كبيرة داخل الادارة الاميركية والمجتمعات العربية في الولايات المتحدة، دعا الى عدم تجاوز مطالب الشارع السوري الثائر، خصوصا لجهتي، طلب الحماية الدولية والتدخل العسكري الخارجي، وضرورة اسقاط النظام وتقديم رموزه الى المحاكمات.