لا يمكن لمن يجري جولة في كواليس السياسة اللبنانيّة إلا أنّ يلاحظ وجود تناقض في التسريبات عن المبادرة الرئاسيّة بين من يعتبر أنّها سقطت نهائيّاً، ومن يؤكد أنّها دخلت مرحلة "التخمير" تمهيداً لأن تصبح أمراً واقعاً قريباً. وينعكس هذا التناقض على التحليلات المنشورة في الصحف. في هذه السطور إضاءة على تحليلين في صحيفتي "السفير" و"الأخبار".
لم يكد يبدأ العام الجديد، حتى ارتفع منسوب التصعيد بين المملكة السعودية وإيران على خلفية إعدام السعودية الشيخ نمر النمر. ولا يبدو قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والخطاب الحاد المتبادل، نذير خيرٍ على مسعى الرئيس سعد الحريري لدعم ترشيح النائب سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، بعد أن كان الفريق اللصيق بالحريري يوحي في نهاية العام الماضي أن بداية العام الجديد ستشهد بدء الحركة الفعلية للسير في المسعى. وعلى الرغم من "سوداوية" الصورة بالنسبة إلى المسعى، فإن جزءاً من فريق الحريري لا يزال يراهن على لقاءات من المفترض أن يجريها الرئيس الإيراني حسن روحاني في كلّ من باريس والفاتيكان، آملين أن يكون للبنان حصّة فيها، تُسهم في دعم وصول فرنجية إلى سدّة الرئاسة وحلحلة العقد، ولا سيّما الموقف الإيراني.
أما "الحريريون الواقعيون"، فبدأوا خلال اليومين الماضيين بالتخفيف من حدة تفاؤلهم، معتبرين أن حالة التوتر في العلاقات بين الرياض وطهران لن تسمح. إلّا أن مصادر مستقبلية معارضة للمسعى أكدت لـ"الأخبار" أن "التسوية باتت في خبر كان، والسعودية ليست في وارد الموافقة عليها"، مؤكّدةً أن "كل المعلومات التي تتحدث عن موافقة الرياض غير دقيقة، وأن الحريري بات مقتنعاً بأنها لن تمر، لكنه يريد الإبقاء على الأجواء المشجعة لها كي لا يعلن فشلها". ولفتت إلى أن "الجميع يدرك أن لا انتخابات في الأشهر الست المقبلة، والأسماء التي يمكن أن تصبح مقبولة بعد كل التداعيات التي تركها ترشيح فرنجية، يمكن أن تكون توافقية، ولكن ليست استفزازية لأيٍّ من المرشحين الموارنة الأربعة، ولا سيما العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع".
في المقابل، تشير "السفير" الى أنّ المعطيات المتوفرة، وعلى قلتها، تؤشر إلى أن "الفرقاء اللبنانيين سيجدون أنفسهم أمام إدارة سياسية للملف الرئاسي لا ينفع معها أسلوب صد الإندفاعة والرهان على عامل الوقت، طالما أقرّ الجميع بأنه أيّاً كانت التحولات في المحيط وتحديدا في سوريا، فلن يكون لها تأثير على التوازنات الداخلية اللبنانية المحكومة بمبدأ ثابت يقوم على الوفاق الوطني، وبالتالي فإن شعور أي مكون ميثاقي بالغبن والتهميش سيعني إخلالاً بهذه المعادلة من دون إسقاطها على أشخاص إنما على خيارات".
وإذا كان زوار عواصم القرار، من واشنطن الى موسكو وصولا الى باريس واخواتها من الاتحاد الاوروبي، تتقاطع استنتاجاتهم على جملة مفيدة تقول إن "أوان الحل اللبناني اقترب وهو يعدّ بالاسابيع أو بالاشهر التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة"، فان قيادات سياسية رسمية وحزبية التقت سفراء دول كبرى في الايام الاخيرة تولّد لديها الانطباع نفسه. فقد سمع هؤلاء كلاما مغايرا لما ساد منذ الشغور الرئاسي.
أما الجديد الذي أفصح عنه سفير بارز لـ "السفير" فيتلخص بما يمكن تسميته "فلاشّات سريعة ومعبّرة"، تنطلق من أنه بعد مضي أكثر من سنة ونصف السنة على الشغور الرئاسي من دون التحرك الداخلي باتجاه إنتاج لبناني خالص لرئيس الجمهورية العتيد، فإن الأمور لم تعد محصورة بعد اليوم بالبعد اللبناني إنما بمسار دولي يتجه إلى إنهاء الملفات الساخنة في المنطقة وفق حلول سياسية تجعل من لبنان علامة نافرة غير مقبول إبقاؤها من دون تسوية. ولذلك يُنقل أن ما سيتم التحرك وفق إطاره مع الدخول في العام الجديد، ينطلق من ثلاثة مرتكزات:
ـ المبادرة الرئاسية التي لم تكن وليدة ترف وطني أو مزاج شخصي إنما نتيجة جهد محصور بدول محددة معنية مباشرة بالملف اللبناني، وهي أعطت ثماراً كبيرة ووضّحت مكمن العقد والتي ليست محصورة في اتجاه واحد.
ـ اعتماد اسلوب التدرج في مقاربة الاستحقاق الرئاسي مع سقف غير مفتوح لهامش المناورة الداخلية، ونصيحة لكل الفرقاء بالانكباب سريعا على بدء عملية تفاوض حول السلة المتكاملة.
ـ مع بداية شهر آذار سيصبح الهامش اللبناني في الاستحقاق الرئاسي ضيقا جدا اذا لم يفلح الفرقاء في الاتفاق على سلة الحلول، مما يعني دخولا دوليا مباشرا وقويا على خط هذا الملف لانجازه بالسرعة المطلوبة.
وعندما يسأل السفير المذكور عما اذا كان شهر آذار المقبل هو شهر انجاز الاستحقاق الرئاسي بناء على المرتكزات التي أفصح عنها، فإنه يرد بالايجاب، قائلاً "سنعمل على أن يكون انتخاب الرئيس الجديد قبل هذا التاريخ ووفق المبادرة الرئاسية التي هي وليدة اجتماع إرادات داخلية وخارجية وليست وليدة إرادة واحدة، وإذا لم يتحقق ذلك، فإن السقف هو شهر آذار الذي سيتم خلاله انتخاب رئيس الجمهورية".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك