رفيق خوري
الأنوار
الثالثة ثابتة في الأمثال الشعبية، لا في ألعاب السلطة. فما اختلفت فيه الوقائع داخل مجلس الوزراء توحدت حوله التوقعات التي صحت وكانت واضحة منذ البدء. وما قرره مجلس شورى الدولة كان مكتوباً على الجدار من دون حاجة الى مجهر مكبر لقراءته: رد مشروع المرسوم المتعلق بزيادة الأجور في طبعته الثالثة، بعدما رد الطبعة الأولى، وطلب تصحيح الطبعة الثانية. الأولى كانت حصيلة نقاش في مجلس الوزراء. الثانية جاءت من صيغة أخرجها الرئيس نجيب ميقاتي من جيبه كبديل من مشروع راديكالي أوسع من قضية الأجور قدمه وزير العمل شربل نحاس وقيل إنه يحتاج الى وقت طويل وتعديل قوانين ويصطدم بصلاحيات وزير الصحة وإن شرحه لم يكن مقنعاً. والثالثة جاءت بـ (تصويت سياسي) على صيغة مختصرة ومعدلة لوزير العمل، ضمن عملية لها أبعاد تتجاوز موضوع الأجور الى تكريس (معادلة جديدة) في ادارة السلطة واتخاذ القرارات، وبالتالي (عرض القوة) لإظهار الأوزان والأحجام الفعلية في مجلس الوزراء.
لكن الطبعة الثالثة، بصرف النظر عن أهمية البعد الاجتماعي لها، اصطدمت أكثر من الأولى والثانية بحاجزين قويين. أولهما رفض الهيئات الاقتصادية الحاسم لها بحجة أنها (خراب) للوضع الاقتصادي الصعب، والتلويح بإقفال المؤسسات وتسليم المفاتيح. وثانيهما مخالفة القانون، حسب قرار الشورى. فضلاً عن أن التصويت عليها رمى في سلة المهملات اتفاقاً مكتوباً وموقعاً بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام في احدى غرف القصر الجمهوري.
والسؤال ليس عن واقع (حكومتين) في واحدة بل عن الوقائع التي لا سابق لها في عمل مجلس الوزراء وخصوصاً في موضوع الأجور: ثلاثة قرارات مختلفة والنتيجة واحدة. فهل أصبح مجلس الوزراء مجلس هواة برغم الاحتراف السياسي أم اننا محكومون بخليط من المصالح السياسية المختلفة، ومن ضعف الاتحاد العمالي وقوة الهيئات الاقتصادية في وضع اقتصاد ضعيف? وهل (القطبة المخفية)، كما يقول البعض، هي الهرب من تصحيح الأجور عملياً لأن الكلفة في القطاع العام أكبر بكثير مما تتحمله الخزينة المرهقة بالاستدانة للانفاق العام الى جانب الأوضاع الصعبة في القطاع الخاص؟
مهما يكن، فإن اللعبة لم تعد مقبولة. وليس من الضروري أن ينطبق عليها قول انشتاين (إن تكرار التجارب على المواد نفسها، وتوقع الحصول على نتيجة مختلفة هو ضرب من الجنون). لكن من الضروري والمعقول والواقعي الآن أن يتبنى مجلس الوزراء اتفاق الهيئات الاقتصادية والعمال. وإلا صارت زيادة الأجور مجرد حلم في كابوس الغلاء. ومتى? وسط المخاوف على المصير، والهواجس حيال الانزلاق في مضاعفات ما يدور من حولنا، وانتظار الجولات الجديدة من (الملاكمة السياسية) داخل حكومة سوريالية في واقع تراجيدي.