جاء في صحيفة "الجمهورية": إنّ أهم ميزة يتمتّع بها زعيم المختارة، النائب وليد جنبلاط، هي أنّه على رغم ابتعاده عنك يجعلك دائماً متأكّداً أنّه حليفك و"سنَدك" عند الشدائد، وهي ميزة قلَّ ما يتمتّع بها سياسيّو لبنان أو حتى سياسيّو العالم، حتى قيل عنه ذات يوم إنّ مواقفه التي تتبدّل وفق الظروف هي التي أبقَته على قيد الحياة لغاية اليوم.
منذ أربعة أشهر تقريباً، قام جنبلاط بزيارة خاطفة للعاصمة السورية دمشق، للقاء صديقه اللواء محمد ناصيف "أبو وائل". يومها، شرح له هواجسه من الأفعال التي يرتكبها النظام السوري بحق الشعب الثائر من أجل حرّيته وكرامته، وامتدّت الجلسة لساعات شرح فيها كلّ طرف وجهة نظره من تلك الأحداث، والتي كانت تتطابق في بعض الأحيان وتختلف أحيانا أخرى.
لكنّ المفاجأة التي لم يكن يتوقّعها جنبلاط يومها، هي الدعوة التي تلقّاها من الرئيس السوري بشّار الأسد عبر ناصيف للذهاب الى قصر الشعب حيث كان في انتظاره. إذ وَوِفق مصادر مُطّلعة على تلك الزيارة، "فإنّ الدهشة أو الارتباك الذي بدا على وجه جنبلاط حينها، لم يمنعه من إسعاف نفسه بالاعتذار، متحجّجاً بارتدائه "الجينز" الذي لا يليق بهكذا زيارة، على رغم الإلحاح الذي أبداه الصديق لإتمامها من دون إغفاله المواقف المسبقة التي كان اتّخذها جنبلاط حيال الأعمال التي يقوم بها النظام في سوريا".
وتضيف المصادر، في حديث إلى "الجمهورية"، أنّ اعتذار جنبلاط وعودته إلى بيروت من دون أن يلتقي الأسد ترك أثراً سلبيّاً في العلاقة المتشنّجة أصلاً بينهما، مع أنّه كان يمكن تصحيحها في ما لو أراد هو ذلك، ولكن يبدو أنّ جنبلاط كان قد قرّر مسبقاً قطع العلاقة مع النظام السوري، مبقياً على العلاقات الشخصيّة التي تربطه ببعض من هم ممثلون في الدولة".
وتكشف المصادر أنّه "وبعد عودته من دمشق بأيّام قليلة، وبينما كان موجوداً في إحدى سهرات الطرب داخل مطعم في الجبل، تقدّم من المطرب ساحباً منه "المايكرو" ليطلق سهامه ضدّ النظام في سوريا، قائلاً: "تحيّة إلى أهالي درعا وحمص وإلى أهالي ريف دمشق والثوّار المناضلين من أجل حرّيتهم، ويا حيف على بعض أهالي جبل الدروز المتخاذلين".
وتجزم المصادر أنّ "علاقة الزعيم الإشتراكي بدأت منذ ذلك الحين تسوء أيضاً مع "حزب الله" حليف الحليف الأوّل للنظام في سوريا. إذ إنّ وبعد عودته من دمشق بيومين، أوفد وزير الأشغال والنقل غازي العريضي، إلى حارة حريك أملاً في تنسيق موعد يجمعه إلى الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله، لكنّه لم يفلح في ذلك، وأكّدت المصادر أنّه ومذ ذاك الحين لم يُعِر جنبلاط هذا الموضوع أيّ اهتمام".
وتؤكّد المصادر أيضاً أنّ "مواقف جنبلاط القديمة الجديدة من النظام السوري، أعادت إليه بعضاً من بريقٍ كان فقَده نتيجة تقلّبات سياسية وعدم الوضوح في الرؤية لجهة مستقبل المنطقة وما ينتظرها من مفاجآت على مختلف الصعد. وهنا اتّضح أنّ الهجوم المستجدّ من قِبل زعيم المختارة لم يكن وليد لحظته، إنّما أتى بعد فترة من متابعته لملفّ المنطقة، وتحديداً ذلك المتعلق بالأزمة السورية".
وتضيف المصادر: "قد يكون جنبلاط في صدد خسارة علاقة مع حزب سعى كثيراً إلى ردم الهوّة بينهما، ولكن يبقى الأهمّ بالنسبة إليه التصالح مع جمهور في الداخل اللبناني ينتظر بفارغ الصبر عودة زعيم افتقدوه بينهم لمدّة من الزمن"، لافتة إلى أنّ المواقف الأخيرة لجنبلاط تتلخّص على الشكل الآتي: "أوّلاً إنّ للرجل حنيناً كبيراً ومُزمناً يدعوه دائماً للعودة إلى الثوابت التي انطلقت منها ثورة الأرز وكانت من أهمّ اللحظات التي عاشها جنبلاط، من دون إغفال الفراغ الذي خلّفه ابتعاده عن 14 آذار. ثانياً، الوفاء الذي يكنّه بداخله للرئيس الشهيد رفيق الحريري، والذي يجعله دائماً على مسافة قريبة جدّاً من الرئيس سعد الحريري مهما اختلفت الآراء بينهما".
وتجزم المصادر أنّ "جنبلاط حزم أمره منذ الآن للنزول إلى ضريح الرئيس الحريري في الرابع عشر من شباط برفقة نجله تيمور وأعضاء المجلس القيادي في الحزب التقدّمي الاشتراكي لوضع زهرة على الضريح"، مؤكّدة أنّ "هذه الخطوة ستكون مقدّمة للنزول إلى ساحة الحرّية في الرابع عشر من آذار كضيف شرف فقط، حتى لا تُعتبر انحيازاً إلى جهة دون أخرى".
وتختم: "إنّ جنبلاط لن يندفع في شكل كامل ولن يضع كلّ ما يملك في سلّة الجهة الأخرى، أي 14 آذار، لأنّه يريد الإبقاء على شعرة معاوية مع الجميع. وإنّ التعديلات التي قد يكون في صدد إجرائها في بعض مواقفه، لا تتطلّب منه التخلّي عن العلاقات التي بناها أخيراً مع البعض في قوى الثامن من آذار. وزعيم الجبل لن يغرق نفسه في متاهات جانبية من شأنها الإطاحة بصيغة العيش المشترك، على رغم التمايز الذي سيظهر جليّاً مع الرئيس الحريري".
ويبقى، أنّ الزعيم الاشتراكي يمكنه استعادة علاقات سياسية أو غير سياسية كان قد خسرها في السابق، وفي اللحظة التي يقرّر فيها هو ذلك من دون الشعور بالإحراج، مع قبول واضح من الطرف الآخر، وهذا ما ينتظره منه جمهوره العريض في الجبل وبيروت، خصوصاً جمهور الرابع عشر من آذار الذي يبدو أنّه يتحضّر للصراخ بأعلى صوته قبل هذا التاريخ، عُد يا وليد لنملأ الساحات مُجدّداً.