الأخبار
قرر بعض من في أمانة 14 آذار الانتقال من القول إلى البيانات. خطوة كبيرة ولا شك، تتوافق مع حجم التغييرات في المنطقة، لا بل تتوافق مع الشرارة التي أطلقت التغييرات في المنطقة، وتعيد إلى 14 آذار ألقها الذي شعّ على الدول العربية، وربما العالم قاطبة، حين انطلقت في حركة سلمية (بأغلبها) من أجل إخراج الجيش السوري من لبنان، ولم تستعمل العنف إلا على بضع مئات من العمال السوريين الذين قتلوا في الشوارع وأحرقت خيم كان يأوون إليها ليرتاحوا من تعب «احتلال لبنان».
14 آذار، اليوم، قررت أن ما يحصل في سوريا يستدعي العمل الجاد. انتبه الشباب في الأمانة العامة إلى أن الشيوخ فيها باتوا بطيئي الحركة، مترهلين، وسطيين ربما، وصاروا أميَل إلى إمضاء الوقت وهم يتحدثون فقط في المجالس عن مساوئ النظام السوري، وأهمية ثورة الأرز. اتخذ الشباب القرار بالتحرك سريعاً. لا بد من تشكيل ما لمواكبة الثورة في سوريا ودعمها ورفدها، وإعداد لبنان للمرحلة المقبلة.
الثورة في سوريا قد تعجز عن تذكّر أسماء أكثر من 3 أشخاص من المجلس الوطني السوري، هذا المجلس الذي يغرّد فيجيبه حسون 14 آذار الحكيم، ويعود المجلس ليبيع جلد الدب قبل اصطياده، ويعلن مواقف عمّا ستتخذه الدولة السورية في المرحلة المقبلة، بعد سقوط النظام، وكأنه لا مجلس نواب سورياً سينتخب وله القرار، ولا حكومة تملك صلاحيات تقرر ما ستقوم به، بل ثوار سيحكمون كما حكم البعث، وإذا ما تجرّأ ميشال كيلو أو قدري جميل على إطلاق موقف أو كلمة جرت معاقبته كما سبق أن عاقبهم النظام.
ولأن المجلس الوطني السوري يغرّد لتسمعه الأمانة العامة لقوى 14 آذار، ومن هم متأثرون بها من عواصم القرار، ولأن المجلس الوطني معزول عن القتل الدائر في الشارع السوري، وبعيد عن تنسيقيات الثوار، أو قسم كبير منها، ولأن الأمانة العامة لقوى 14 آذار تدير كوكب الأرض عموماً، فقد قررت الأمانة العامة التنازع الديموقراطي على فكرتين.
الأولى يطرحها شباب ثوار الأرز الذين قرروا إنشاء مجلس وطني لبناني، على غرار ما جرى تأليفه في ليبيا وسوريا، ولكن ليس لتغيير النظام في لبنان، بل لتغيير الموجودين فيه حالياً، ولدعم الثورة السورية، والاستعداد للمرحلة المقبلة، وربما لزيادة المساحة المعطاة للشباب في الأمانة العامة في 14 آذار. ولكن هذا النفس الثوري المتقدم أزعج الشيوخ في الأمانة العامة. ربما المجلس الوطني اللبناني سيعلن لاحقاً الثورة على النظام، وستتحد الطوائف اللبنانية المتنازعة سنّة وشيعة وموارنة وأقباطاً حتى في مواجهة النظام اللبناني المتخلف، وتسير خلف إسقاط النظام اللبناني المرتبط بإيران، من أجل دولة القانون والمؤسسات التي تمثلها نائلة معوض وأبقار المساعدات الأورو ــــ أميركية للمزارعين في كل من بشرّي وزغرتا وجوارهما.
ولتنفيس هذا النفس الثوري بامتياز الذي يتلاقى مع المجلس الوطني السوري، ويرفد الثورة في سوريا بالمزيد من الزخم بعد 11 شهراً من انطلاقتها، جاءت الفكرة الثانية. فقد قرر الشيوخ في الأمانة العامة القيام بخطوة استباقية، تقتضي عقد لقاء وطني لبناني موسع، يضم كل شخصيات قوى 14 آذار، إضافة إلى كل القوى التي على يمين الأمانة العامة ويسارها، وكل من هم في الوسط، وأولئك الذين لا يريدون أن يكونوا ضمن تركيبة 14 آذار ولكنهم يؤيّدون طروحاتها.
وهنا لا بد من طرح ملاحظة. فبعد سبعة أعوام من النزاع الداخلي الحاد، لم يعد هناك تقريباً أي شخصية تذكر خارج الاصطفاف الداخلي، وخاصة بعد اشتعال الأوضاع في سوريا، حيث جرى إقناع من لم يقتنع سابقاً بالانحياز الواضح إلى أحد المحورين في البلاد. وبالتالي فإن اللقاء الوطني قد يضم في أحسن الأحوال ممثلين عن وليد جنبلاط وعن نجيب ميقاتي، إن أحسنّا التفاؤل بما سيكون.
اللقاء سيكون أمامه تحدّ جديد، ألا وهو مواجهة المرحلة التالية لسقوط النظام السوري، والعودة إلى الطائف الأصلي، وليس ذاك الذي زوّره رفيق الحريري ورفاقه من فريق الوصاية السورية، والالتزام بالشرعية العربية نفسها التي كانت تسمّى في وقت سابق الاعتدال العربي، والشرعية الدولية الممثلة طبعاً بالسفير فوق العادة جيفري فيلتمان.
بينما يموت الناس كل يوم في سوريا في نزاع حاد، وتتدخل كل الدول من المعسكرين الرئيسيين في الشؤون السورية، ويتغيّر العالم من حولنا، لا يزال مناضلو الأمانة العامة، شيبهم وشبابهم، يعتقدون أنهم يحركون السياسة الإقليمية والدولية، بعد أن حرروا البلاد بالمشالح الحمراء والبيضاء. والمسألة هنا ليست نيّات بيضاء، ولكن ذاكرة مثقوبة وخيال عقيم.