تصاعدت في الأيام الأخيرة على نحو غير معلن المخاوف من مقلب جديد لانعكاسات الأزمة السورية على لبنان في ظل مجموعة مؤشرات أمنية شهدتها منطقة الحدود الشمالية مع سورية من جهة والمعلومات التي كشفت حول محاولة لاغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي العميد وسام الحسن من جهة اخرى.
وفي حين تبدو الملفات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والخدماتية هي الاولوية الظاهرة التي تغرق الحكومة بقواها المتناقضة في مشهدها المتفاقم منذ مطلع السنة، فان التطورات الدامية الاخيرة في سورية وسط السباق المحموم بين القمع الامني وتدويل الازمة أعادت تسليط الضوء على المخاوف من ارتداد هذه التطورات على لبنان كلما تصاعدت الانهيارات في سورية.
وأعربت اوساط معنية في هذا الصدد لصحيفة "الراي" الكويتية عن اعتقادها ان لبنان اقترب كثيراً من مرحلة اختبارية شديدة الحذر والحساسية وربما تختلف عن المرحلة التي مرّ بها العام المنصرم. ذلك ان اكثر من عشرة اشهر هي عمر الازمة السورية حتى الان شكلت في مجملها اختباراً ناجحاً نسبياً للبنان في تجاوزه قطوعات الانعكاسات السورية عليه. ولكن المرحلة المقبلة تحمل في طياتها ملامح الاختبار الحاسم والاقوى نظراً الى مجموعة عوامل من ابرزها الخشية من استعمال النظام السوري اوراقاً في لحظة «حشْرته» قد تكون على المستوى الامني او على صعيد الجبهة مع اسرائيل. كما ان هناك خشية من تصاعُد الاحتقانات المذهبية على خلفية الاصطفاف السياسي بين قوى 8 آذار المؤيدة للنظام السوري وقوى 14 آذار المؤيدة للثورة السورية.
وتشير الاوساط في هذا المجال الى ان منطقة الشمال خصوصاً ولا سيما عكار وطرابلس تبدو بمثابة نقطة التوتر الاولى التي تثير مخاوف من اضطرابات امنية، في ضوء تكاثر الحوادث في شكل شبه يومي على الحدود مع سورية وتداخُل حركة النازحين ونقل الجرحى السوريين الى لبنان مع حوادث الصدامات التي تحصل في المناطق السورية المتاخمة للحدود. ولفتت هذه الاوساط الى خطورة الدلالة التي اكتسبها الكلام عن خطف ايرانيين في سوريا ونقلهم الى منطقة الشمال اللبناني وهو كلام التزمت حياله الحكومة والسلطات اللبنانية جانب الصمت.
ومع ان الاوساط نفسها تستبعد في الوقت الراهن ان يتجاوز الواقع الميداني إطار هذه التوترات، غير انها لا تخفي خشيتها من تراكم عوامل وتطورات اضافية قد يكون المراد لها تهيئة المشهد اللبناني لواقع مضطرب في حال اشتداد الخطر على النظام السوري ما يفتح باب المحاذير على لبنان لتصدير انعكاسات هذا التطور الى أرضه. وقالت ان ما يحصل على الجبهة السياسية والحكومية راهناً قد يكون مفيداً من حيث ملء فراغ مرحلة الانتظار بالملفات الداخلية الصرفة، لكن ذلك لا يُسقط الجانب السلبي الاخر الذي يبدو معه لبنان الرسمي مفتقراً الى اي تصور او قدرة واضحة على وضع ضوابط مُحكمة تجنّبه أخطار التطورات السورية، حتى ان التوترات الناشئة بين قوى الاكثرية الحكومية نفسها قد تشكل احدى عوامل الضعف الرئيسية في عدم استباق الازمة السورية وما يمكن ان يلحق لبنان من جرائها.
وقد كشفت الخلافات الاخيرة في شأن اكثر من ملف خدماتي واقتصادي ان الواقع الحكومي بالكاد يقوى على الاستمرار بوتيرة هشة ومتراجعة حيال امورٍ لا تزال ضمن دائرة الهموم والازمات العادية. فكيف ستكون الحال عليه اذا حصلت تطورات امنية وافتعالات لا بد من التحسب لها في اي لحظة وسط تصاعد الانقسامات والحساسيات داخل الحكومة التي لم تقوَ على معالجة اي ملف خلافي منذ اشهر.
في موازاة ذلك، وفيما كانت الأزمة السورية تشقّ طريقها الى مجلس الامن الدولي على وقع مفاوضات دولية شاقة، اعلن وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور "اننا مازلنا في مرحلة المشاورات ومرحلة الاتصالات -في تحديد موقف لبنان في الاجتماع المقبل لوزراء الخارجية العرب- وحتى الآن ليس هناك من قرار متعلق بالموضوع السوري"، لافتًا إلى أنّ "لبنان لن يكون خارج الموقف العربي، ولكن نريد أن نعرف ما الموقف وأين سيصب، وهل هذا القرار هو في مصلحة سوريا؟".
وإذ رأى منصور أنّ "هناك خصوصيّة تربطنا بسوريا، وأيّ موقف سيؤثر على استقرار سورية وبالتالي سيؤثر علينا في لبنان"، قال رداً على دعوة المجلس الوطني السوري الى إلغاء كل الاتفاقات الموّقعة بين لبنان وسوريا ومنها المجلس الأعلى وترحيب البعض بذلك: «هناك من يريد أن يدفع العلاقة بين لبنان وسوريا إلى منحى خطير لا يخدم مصلحة البلدين الشقيقين".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك