الموعد القاسي مع القدر كان أسرع من الموعد المرجو مع العهد. وأقسى ما في رحيل نسيب لحود انه جاء وقت الحاجة الكبيرة في لبنان الى رجال من قماشته الوطنية وقامته السياسية والأخلاقية والثقافية. ففي زمن الخوف كان الشجاع. وفي أيام الجنون كان الحكيم. في عزّ الاندفاع لدى كثيرين في التركيبة السياسية نحو الانحدار الى الصغائر والإسفاف في المخاطبة كان المترفّع. وفي السباق على الفساد والافساد والإثراء غير المشروع كان النزيه.
نسيب لحود السفير والنائب والوزير والمرشح للرئاسة لم يكن زعيماً شعبياً بالمقاييس اللبنانية التي قوامها العصبية أو القوة أو المال. فهو المتقدم بين النخبة والمحترم عند خصومه قبل حلفائه ولدى العامة، ورجل الدولة حيث لا دولة. بعد تعيينه سفيرا في واشنطن في بدايات جمهورية الطائف سئل الرئيس الياس الهراوي عن السبب في اختياره فأجاب: (امكاناتنا متواضعة، وهو فوق شخصيته وعلاقاته وقدرته على الحوار، يستطيع الانفاق من جيبه، على ما تتطلبه مهمة السفير اللبناني في عاصمة الدولة العظمى).
وعندما استقال ليترشح في المتن رافضا قرار المقاطعة لانتخابات العام 1992، فإنّ نيابته في تلك الدورة والدورات اللاحقة حملت الى البرلمان صوت العقل والموضوعية، بحيث بات اللبنانيون ينتظرون مناقشاته العميقة للبيانات الوزارية والموازنات. لا الفشل في دورة 2005 قلّل من دوره في الحياة السياسية. ولا الظروف التي حالت دون موعده مع الرئاسة غيّرته أو أضعفت الحاجة اليه كوزير دولة.
وليس أهم من دوره في 14 آذار سوى دوره في تأسيس حركة (التجدد الديمقراطي) العابرة للطوائف وقت اندفاع العصبيات وتنامي القيادات الطائفية والمذهبية الى حد الطغيان على الحياة السياسية. فلا المشهد السياسي صار أقل من اصطفافات وراء جدران مغلقة في الداخل، لكنها، للمفارقة، فوق (ساحة) مفتوحة على الصراعات الاقليمية والدولية. ولا الحوار نجح في إزالة الجدران بل كرّسها وانتهى الى قطيعة مخيفة. ولعل أكثر ما كان يحتاجه لبنان وما ازدادت الحاجة اليه في أيام (الربيع العربي) هو التجدد الديمقراطي. التجدد في بنية الأحزاب والتيارات لتصبح عابرة للطوائف والمذاهب. والتجدد في بنية النظام ليصبح اللبناني (مواطناً) لا (رعية) طائفة أو مذهب أو زعيم أو مرجعية.
كان نسيب لحود صاحب (رؤية). ونحن اليوم، برغم المكابرة وغطرسة القوة، مرتبكون وحائرون في أمر لبنان، وسط التحولات الهائلة في المنطقة. والقلّة التي تجيد القراءة في أبعاد اللعبة الاستراتيجية الكبيرة هي أسيرة الحائرين والمرتبكين وحتى المرتكبين.
(والموت نقّاذ على كفّه، جواهر يختار منها الجياد) كما قال المتنبي.
ع�B 0���x�ا أنّ ذلك من شأنه الحؤول دون استكمال المحادثات. فقد تعارض حركة «طالبان» وباكستان وإيران هذا الأمر. وآخر ما ترغب فيه هاتان الدولتان المتجاورتان هو وجود عسكري أميركي في جوارهما. ومن غير المرجح أن تقوم إيران التي تتعرّض لعقوبات أميركية، بمساعدة الولايات المتحدّة على الخروج من المستنقع الأفغاني. وفي أفغانستان وباكستان، أدّت الهجمات الأميركية بالطائرات من دون طيّار إلى تأجيج المشاعر المناهضة للأميركيين.
ومن المتوقع أن ترحل قوات حلف شمال الأطلسي عن أفغانستان بحلول نهاية عام 2014 مع استقالة الرئيس كرزاي في نهاية ولايته الثانية. وقد تواجه الولايات المتحدّة وحلفاؤها صعوبة في إدارة أو تمويل المرحلة الانتقالية في أفغانستان بعد رحيل كرزاي. ويرغب الائتلاف في ضمان بقاء نظام موالٍ للغرب اذا أراد تبرير التضحيات الكبيرة التي تمّ تقديمها في الحرب.
وفي إطار مؤتمر عقد في مدينة بون في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وافق الائتلاف على الاستمرار في تقديم المساعدة الاقتصادية إلى أفغانستان من عام 2015 لغاية عام 2024. وستتمّ مناقشة المبلغ المطلوب الذي يقدّر ببلايين الدولارات خلال قمة حول أفغانستان ستُعقد في مدينة شيكاغو في شهر أيار (مايو) المقبل. ويعتمد ذلك كلّه على طبيعة حكومة كابول وما إذا كان البلد في حالة سلام. وفي حال وقوع حرب أهلية بين الباشتون والطاجيك، الأمر الذي يعدّ احتمالاً قائماً، فقد يتمّ وقف تدفّق المساعدة الغربية. على أيّ حال، ترغب واشنطن في أن يتقاسم حلفاؤها العبء المالي. وقد دار حديث حول إمكان إشراك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ودول الخليج العربية الغنية بالنفط في ذلك.
خطّطت الولايات المتحدّة لإنشاء جيش أفغاني من 350 ألف جندي بهدف تسلّم المهمات الأمنية حين تنسحب قوات حلف شمال الأطلسي. إلا أن تكلفة هذا الجيش الكبير قد تحول دون إنشائه نظراً إلى افتقار أفغانستان إلى الإمكانات المالية المطلوبة. ويجب أن تموّله القوى الأجنبية. والجدير ذكره أنه تمّ تقليص عدد أفراد الجيش الأفغاني الجديد الذي سيتمّ إنشاؤه ليضم 225 ألف جندي، علماً أن هذا العدد لا يزال يعدّ كبيراً.
في هذا الوقت، أصبحت الحرب في أفغانستان مسألة ساخنة في الحملة الرئاسية الفرنسية. وفي 20 كانون الثاني (يناير) الماضي، فتح رجل يرتدي زيّ الجيش الأفغاني النار على مجموعة من الجنود الفرنسيين غير المسلحين الذين كانوا يمارسون رياضة الركض في قاعدة غوان العسكرية الفرنسية. فقتل أربعة جنود فيما أصيب ثمانية آخرون بجروح بالغة. وعلّق الرئيس ساركوزي على الفور التدريب والمساعدة العسكرية التي كان يقدّمها إلى قوات الأمن الأفغانية ولمّح إلى إمكان سحب القوات الفرنسية باكراً. وبما أنّ الانتخابات ستجرى بعد أقلّ من ثلاثة أشهر، يبدو عازماً على تفادي وقوع ضحايا عسكريين. وأعلن فرانسوا هولاند، منافسه الاشتراكي، أنه في حال فوزه في الانتخابات في شهر نيسان (أبريل) المقبل، فسيسحب القوات الفرنسية قبل نهاية عام 2012. وفي الواقع، قد يحتاج الفرنسيون إلى 12 أو 18 شهراً لإعادة 3600 جندي إلى ديارهم مع ذخائرهم ومعدّاتهم بما فيها 500 دبابة ثقيلة و700 آلية أخرى.
لا يمكن إبرام سلام في أفغانستان لا يأخذ مصالح باكستان في الاعتبار. فقد تكون باكستان في صدد إفشال أيّ حلّ أفغاني لا يرضيها. كما تبدو غاضبة من الولايات المتحدّة بسبب حادث وقع على الحدود في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حين قتلت الولايات المتحدّة 24 جندياً باكستانياً. وفي معرض الثأر، أغلقت باكستان طريق إمدادات يمتد على طول 2300 كلم من مرفأ كاراتشي إلى كابول مروراً بممر خيبر الذي كانت تنقل عبره يومياً 400 شاحنة ربع الإمدادات للقوات الأميركية في أفغانستان. وتحصل مفاوضات محتدمة من أجل إعادة فتح هذا الممر. وفي حال نجحت المحادثات، فمن المرجّح أن تكون رسوم النقل أعلى من تلك التي كانت معتمدة في السابق. في هذا الوقت، لا تزال الشاحنات متوقفة عن العمل.
كي يعمّ السلام في أفغانستان، يجب الإقرار بتطلعات القومية الباشتونية. وفي الوقت الحالي، يشعر الباشتون بأنهم منقسمون، لا سيّما أنّ خط دوراند الذي يمتد على طول 2640 كلم والذي رسم عام 1983 بين الهند ايام الاستعمار البريطاني وأمير أفغانستان يمرّ عبر مناطقهم القبلية. وثمة بين 12 إلى 15 مليون باشتوني على الجانب الأفغاني من الخط وضعفا هذا العدد في باكستان.
وطالما كانت باكستان تخشى من أن يسعى الباشتون في أفغانستان وباكستان إلى التوحّد من أجل تشكيل «باشتونستان» كبرى قد تأخذ جزءاً كبيراً من أرض باكستان. لهذا السبب، سعت باكستان دائماً إلى قيام نظام ودود لها في كابول يكون تحت حمايتها من أجل قمع أي توجّه قومي لإنشاء وطن للباشتون. وساهم عدم اعتبار أفغانستان خط دوراند أنه حدود دولية في إبقاء مخاوف باكستان حية.
من الواضح أنّ خط دوراند الذي تمّ تعديله ثلاث مرات بموجب معاهدات أبرمت عام 1905 و1919 و1921 بحاجة إلى أن يعاد التفكير فيه مجدداً بمشاركة زعماء القبائل الباشتونية في البلدين. ويجب أن يتمكن الباشتون من التحرك بحرية بين باكستان وأفغانستان من دون تهديد سلامة أراضي البلدين.
لقد دعم الباشتون حركة «طالبان» وقدّموا الحماية لها لأن لديهم مطالب وطنية. وإن لم يعودوا بحاجة إلى الشبكات الإرهابية، فقد ينقلبون عليها. ورأى الخبير الفرنسي جورج لوفوفر في مقال نشرته صحيفة «لوموند ديبلوماتيك» في شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) 2011 إنّه يجب حلّ مسألة الحدود بين أفغانستان وباكستان قبل أن تتمّ المصالحة الوطنية في أفغانستان بين الباشتون في الجنوب والشرق وبين المجموعات الإثنية مثل الطاجيك والهزارى والأوزبك والتركمان في الشمال.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك