كتبت صحيفة "السفير": مروان شربل لا يحبّ السياسة. هذا مؤكد. أعلنها الرجل بالفم الملآن من لحظة تبني «الجنرالين» تكليفه بمهام وزارة الداخلية. جلوسه على الكرسيّ لم يدفعه الى تغيير رأيه. يضع «كتاب القانون» أمامه ويتصرّف على أساسه. لا يبدو مكترثا ان أغضب «المرجعيتين» ما دمت «أطبق القانون». على مكتبه في الوزارة ملفات وأوراق وبريد يدقق في كل شاردة وواردة فيه وكتاب صغير لم ينه قراءته بعد بعنوان La Coree telle qu’elle est (كوريا كما هي).
كاره السياسة يصل، بعد أكثر من ستة أشهر على وجوده في الوزارة، الى قناعة ثابتة. «اللبناني قادر أن يفعل أي شيء. لقد حوّل دول الخليج من صحراء الى جنّة. لكن هنا ثمة من يعمل بكد على تحويل لبنان من جنّة الى صحراء».
كيفما ضربت يدك في لبنان، تصب وزارة الداخلية. انقطعت حنفية المياه أو لمبة الكهرباء. نزل الناس الى الشارع وأحرقوا الإطارات، تبدأ مهمة الوزارة ولا تنتهي، في الأمن وملاحقة المطلوبين. الأمن الداخلي. الأمن العام. أمن الدولة. الدفاع المدني. السجون. أمن المحاكم. أمن الشخصيات والسفارات والناس. عجقة السير. المخالفات على أنواعها. البلديات. المعاملات الإدارية. انهيار مبنى، حادث سير، الميكانيك. الهوية. الباسبور. البصمات. المحكمة الدولية. السجل العدلي. التنصت. المطار. الحدود بكل اتجاهاتها. بالإضافة إلى ملف الملفات، أي الانتخابات البلدية والنيابية.
في كل ملف ومكان، للداخلية حصة تجعلها «وزارة الوزارات» وتجعل أي واصل إليها «وزير الوزراء» أو «سوبر وزير»، قبل عملية التسلم والتسليم، فإذا أصاب زاد الرصيد وإذا أخفق، صارت وزارته.. عادية ومملة.
في فم الوزير مروان شربل، ماء. يرفع الصوت مهدّدا «قد يدفعونني إلى بقّ البحصة قريبا وفضحهم جميعا». لا يدخل في الاسماء والاتهامات. يصرّ على الاستمرار في مهامه من دون ان يرفّ له جفن، وان كانت السهام تطاله من كل صوب وجهة، هو الذي يجزم بأنه يعرف هوية مطلقيها: «لكأن البعض لا همّ له سوى محاربتي. بعد وقوع حادثة انطلياس وسريان شائعة تورط عناصر من «حزب الله» فيها اتهموني بالكذب والتضليل. وبالنهاية الجميع اعتذر لأنني واجهتهم بالوقائع».
بالمنطق نفسه يقارب أزمة تنظيم «القاعدة». لم يهضم بسهولة تبني العماد ميشال عون وجهة نظر وزير الدفاع فايز غصن، لكن في يده وقائع. ملف متكامل من المعلومات على مكتبه عن كل التنظيمات الاصولية الموجودة داخل المخيمات الفلسطينية وخارجها. بالارقام والوقائع لا وجود لـ«تنظيم القاعدة» في لبنان، يؤكد شربل. اذاً في المضمون ثمة من أخطأ. في الشكل، لا يفهم الوزير المغزى السياسي من خضّ البلد وترهيب السياح واستفزاز الاميركيين والاوروبيين بإطلاق تصريحات بهذا الثقل السياسي عشية الأعياد. ومن ثم استغلال البعض لهذه التصريحات وربطها بتفجيرات دمشق».
يطمئن كل من بدأ بالتشويش عليه بالتسويق لطموحات سياسية «تدغدغ مخيلتي» بالقول لهم «لا يمكن ان أترشّح للنيابة، ولا أريد ذلك. أنا لا أطمح للترشّح لرئاسة الجمهورية ولا أريد ذلك، بكل بساطة لأني لا أحب السياسة». ويردّ بابتسامة ساخرة على شائعات «المغرضين»: «يقولون اني اشتريت شقة في الكسليك مساحتها 600 متر مربع، واشتريت سيارة «فيراري» لابني. أنا أملك شقة في الحازمية اشتريتها منذ سنتين، ولن أشتري «فيراري» لابني كي لا أخسره».
يبدو العميد المتقاعد متصالحا ومنسجما جدا مع نفسه. «سأخسر كل معاركي في اللحظة التي سأطلب فيها شيئا لنفسي». براغماتية الضابط تفصل بين «سيناريو» وصوله الى «ام الوزارات» و«المطلوب منه». لا ينكر شربل ان توافق «الجنرالين» هو الذي جيّر له حقيبة الداخلية. لكن بعد ذلك «الامر لي».
يشرح مروان شربل «أنا صديق رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وصديق العماد ميشال عون وهما يعرفان جيدا من أنا. لكني لم آت لارضي أحدا على حساب القانون. بالنهاية هم تآلفوا مع عقليتي ولم أتآلف مع عقليتيهما. شعاري «سين ـ سين» وما زلت ملتزما به. طبعا هو لا يقصد «سين سين» نبيه بري السورية السعودية، يشرح شربل سين سينه بالقول: «أنا ضد السرقة وضد السياسة. ممنوع على الاجهزة الامنية وعلى أي أحد في وزارة الداخلية أن يتعاطى سياسة. هناك أربع مديريات عامة لا أحد من مسؤوليها يصرّح من دون أخذ الاذن مني».
من قانون الانتخابات وصولا الى التعيينات مرورا بمرسوم تصحيح الأجور والتنصت و«داتا» المعلومات وملف المحكمة الدولية، يقرّ مروان شربل بأنه «لا يتصرّف إلا بناء على قناعاته». الاهم انه لا يزال يراهن على النجاح في المهمة الأصعب ان لم تكن الأكثر استحالة. التوفيق بين «جنرال الرابية» «وجنرال بعبدا»، كما وعدهما حين توافقا على اسـمه. «ما زلت أحاول تقليص المسافات بينهما، ومن واجبات كل وزير ان يوفّق بين المرجعيات».
أصداء انزعاج سليمان وعون من ذهابه بعيدا في تثبيت «حيثيته» الاستقلالية يواجهها بالمنطق نفسه «لقد توافقا على اسمي. حسنا، لكن بعد ذلك بدأت العمل من دون رغبة بإرضاء الخواطر. أرفض أي شيء ضد القانون وأقبل أي شيء يتوافق مع القانون. هناك لجنة في الوزراة على رأسها ضابط تلاحق كل الشكاوى وتدقق في كل الملفات. وأفضل ما يمكن ان يحصل معي عندما أخدم مواطنين لا يملكون وساطة سياسية. لست مع 8 ولا مع 14 آذار بل مع مؤسسات الدولة. فما قيمتي اذا رفعت السماعة في كل مرة أريد أن أتخذ قرارا؟ نعم لقد عملت على حيثية ما لأكون صادقا مع نفسي. وعليهم ان يعتادوا ان البعض يعمل من دون أن يكون تابعا لأي مرجعية. أنا ابن الدولة، وأمام كل هذا الجو السياسي الضاغط، أرى هذه الطبقة السياسية «مطعّمة» ضد الصدق، وأنا أريد «تطعيمها» ضد الكذب».
يؤكد مروان شربل أن «لا شيء سيغيّر من أسلوبي في العمل بالرغم من كل الضغوط. ولا أحد يستطيع أن يضع لي ضوابط أو يؤثر عليّ. «الجنرالان» يستطيعان فقط ان يتفقا على إزاحتي. وفي اللحظة التي أكتشف فيها أني غير قادر على الاستمرار وفق ما أراه صوابا، سأقدّم استقالتي وأذهب الى منزلي. وسأختار عندها توقيتا يمنح هذه الاستقالة المعنى المطلوب».
استحقاقان بارزان بدا فيهما الضابط متفلتا من «سقوف المرجعيتين». في مسألة تصحيح الاجور مارس الرجل قناعاته، كما يقول. عندما طرحت «الصيغة الميقاتية» على طاولة مجلس الوزراء، والتي حظيت برعاية رئيس الجمهورية، صوّت شربل لمصلحتها تماما كما فعل «حزب الله» و«أمل». وعندما طرح مشروع الوزير شربل نحاس صوّت وزير الداخلية الى جانب المشروع. راصدو أداء شربل الوزاري يسجّلون نقطة لمصلحته: بدا بالفعل منسجما مع نفسه عندما قال «لو كنت ما زلت في السلك العسكري لكنت أيّدت طبعا مشروع نحاس حفاظا على حقوق الموظفين»، وهذا ما فعله في مجلس الوزراء، متجاوزا رأي ميشال سليمان. لا في الاجور استشار بعبدا والرابية ولا في ملف المحكمة. «معاليه» مع تمويل المحكمة على رأس السطح. لا إرضاء لرئيس الجمهورية ولا نكاية بالعماد عون. فقط لاقتناعه بضرورة التزام لبنان بتعهداته الدولية.
التعيينات الأمنية تبدو كـ«كرة النار» بين يديّ وزير الداخلية، لكنه يعد بصدورها قريبا. يدرك انها «عقدة العقد» بين سليمان وعون، ويتصرّف على هذا الاساس. «نحن مش عايشين في سويسرا». الامر يحتاج الى تدوير زوايا ولم أعمد أساسا الى طرح أسماء استفزازية. لائحة القائمقامين مثلا أنجزت، لكني أقوم بالتدقيق شخصيا بكل اسم كي لا يكون هناك أي شيء يعيب هذا التعيين».
يؤكد شربل انه عرض من باب التشاور مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لائحة بثلاثين اسما نصفهم من طرابلس «فتوجّه الي قائلا افعل ما تريده. وكان الموقف نفسه لرئيس الجمهورية».
منذ البداية أدرك شربل ان لا قرار سياسيا بإزاحة اللواء اشرف ريفي والعقيد وسام الحسن ولا نية في الاقتصاص من «جماعة سعد الحريري». لذا قرّر اعتماد سياسة الاستيعاب لا الصدام. ولا يرى اليوم ما يعيب التنسيق والعمل مع فريق محسوب على «تيار المستقبل» ما دام يلتزم بالقانون. أصلا لم يكن صعبا على المغوار السابق ان يكتشف ايضا ان ميشال عون لا يستطيع ان يطلب منه ما لا قدرة لوزرائه ان يفعلوه. معركة نقولا صحناوي، وسابقا شربل نحاس وجبران باسيل، الخاسرة مع عبد المنعم يوسف أفضت الى نتيجة واحدة. الرابية لم تستطع ان تغيّر حرفا في المعادلة. ينسحب الامر على الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي. واقع يعزّز خيار شربل الاستيعابي والمسالم في الداخلية، برأي اصحاب العقول الباردة. يوضح وزير الداخلية «حتى الفريق الذي كان يعمل الى جانب الوزير بارود بقي على حاله ولم يتم إقصاء أي أحد».
من هذه الزاوية، رفض مروان شربل مسايرة شربل نحاس في موضوع المطالبة باتخاذ تدابير بحق اللواء أشرف ريفي. يشيد وزير الداخلية بتعاون كل الضباط معه، وإذا كانت هناك تصفية حسابات قديمة، فهذا الاختصاص لغيره وليس له.
«أنا الذي أنجزت قانون الانتخاب على أساس النسبية، وقمت بما لا قدرة أو بالأحرى لا جرأة لغيري على القيام به». يقولها شربل بكل ثقة. وبجردة مختصرة، يوجز شربل سبب «نجاحه حتى الآن في مهامه». السيرة الذاتية، برأيه، تغنيه عن الخبرة المفقودة في وحول التسييس. «اربعون سنة في قوى الامن الداخلي. عضو سابق في المحكمة العسكرية. رجل حقوقي. تابعت انتخابات الشمال في العام 1996. توليت إدارة غرفة الشكاوى في وزراة الداخلية في انتخابات العام 2005. ومدير غرفة العمليات لمدة شهرين في انتخابات العام 2009، واليوم يعمل الى جانبي مجموعة من المستشارين من اصحاب الاختصاص».
لا ينكر شربل فضل وجهد الوزير السابق للداخلية زياد بارود «لكن بالنهاية قوانين الانتخابات لا تأتي من العدم. لا بد من العودة الى قوانين سابقة والى الدراسات وإجراء استشارات مع القوى السياسية ومع حقوقيين وأصحاب الاختصاص. هذا ما فعله من سبقنا وهذا ما فعلناه نحن. إنجازنا يكمن في تقديم مشروع انتخابات في ثلاثة أشهر، في وقت لم يسبق ان قدم أي مشروع سابق قبل اكثر من سنة على موعد الانتخابات، ولو العبرة هي في التطبيق».
لكن ماذا يعني ان تقدّم وزارة الداخلية مشروعا متكاملا لقانون الانتخاب وتسوّق له بحضور رئاسي وسياسي حاشد في فندق «فينيسيا»، فيما الحكومة برمتها تبدو غير معنية «بالانجاز» وبكركي «تطبخ» قانونها الخاص على نار هادئة؟ يجيب شربل «لقد سألت البطريرك بشاره الراعي. هذه المشاورات الحاصلة اليوم في بكركي تتعلق حصرا بمشروع «اللقاء الارثوذكسي». وأنا أسأل هل من فريق سياسي لم يشكّل لجنة لدرس قانون الانتخابات؟ لا أعرف لماذا يتجنّبون المشروع الذي قدمته. لكن طبعا بالنسبية الكتل الكبرى ستخسر من رصيدها. في مؤتمر «فينيسيا» كنت أخاطب اللبنانيين هل تريدون الابقاء على هذا الواقع الانتخابي المهترئ أم تغييره؟ مع السياسيين لا حول ولا قوة. واذا كانوا سيرفضون المشروع فأنا من جهتي قمت بما يمليه عليّ ضميري ووجداني، لان لا حل بالخروج من هذا الواقع الطائفي إلا باعتماد النسبية».
أبعد من طموحات السياسيين الانتخابية، يتابع مروان شربل تداعيات مأساة بناية «فسـوح». في الليلة الأولى للكارثة داوم حتى ساعات الفجر في مكان الحادث وعاد إلى مكتبه بانطباعين: تأثر كبير بالفاجعة وإدراك واضح لهوية «المتهم». الانطباع نفسه، ما زال راسخا. وزير الداخلية يلقي المسؤولية مباشرة على مجلس النواب لتقاعسه المستمر في إقرار قانون الإيجارات الكفيل بحماية الحقوق وحياة المواطنين.
عندما يُسأل وزير الداخلية عن رأيه بـ«قلق» البعض من بقائه وزيرا للداخلية حتى انتخابات 2013، يجيب مبتسما «أنا لست قلقا»!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك