كتبت صحيفة "الجمهورية": لم تمضِ ساعة على الفيتو المزدوج الروسي ـ الصيني في مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار الذي تبنّت تقديمه 10 دول في شأن سوريا، حتى أطلقت فرنسا رسمياً ما يمكن اعتباره "خطة ب" لمحاولة الالتفاف على العقبة الكأداء في المبنى الزجاجي في نيويورك والاستمرار في حشد الدول والأطراف بغية إدامة اللُحمة والتعاون بين هذه الجبهة العريضة الغربية ـ العربية من جهة، وتضييق الخناق على النظام السوري وحلفائه الدوليين والإقليميين من جهة أخرى.
باشرت باريس في الإعداد لتنفيذ "الخطة ب" بغية الرد على خطة روسيا التي سينقلها وزير خارجيتها سيرغي لافروف إلى دمشق في محاولة لإخراج الوضع السوري من عنق الزجاجة. ومن المتوقع أن تسفر المشاورات السريعة عن عقد اجتماع قريب جداً لـ"مجموعة أصدقاء الشعب السوري" في باريس.
ذلك أنّ المساعي الأخيرة التي بذلتها الدول الغربية والعربية في مجلس الأمن قد أعطت ثمارها جزئياً حيث وافقت كل من جنوب أفريقيا والهند وباكستان وأذربيجان على المسودة الأخيرة للمشروع الذي طرحه المغرب باسم المجموعة العربية ليل الخميس، لكنّ روسيا والصين لم تستسيغا على ما يبدو وضع المشروع ليلتها باللون الأزرق وكأنّ الدول الراعية له أرادت حشر هاتين الدولتين في الزاوية. إذ وضعت الدول الغربية "خطاً أحمر" لا يمكن في أيّ حال من الأحوال التنازل عنه وهو "التأييد الكامل" لخطة الجامعة العربية الواردة في الفقرة السابعة من مشروع القرار.
وكانت مصادر أوروبية رفيعة المستوى قالت قبل 48 ساعة من التصويت في مجلس الأمن إنّ "لا مشكلة لدينا إذا أسقطنا الفقرة المتعلقة بالعقوبات الاقتصادية وكذلك بتوريد السلاح إلى سوريا، لكننا لن نتساهل في مسألة العملية الانتقالية السياسية وخربطة الطريق التي أقرّتها اللجنة الوزارية العربية في 22 كانون الثاني، ولن نقبل بأن تكون هذه الفقرة من دون أنياب". مضيفة "أننا أبدينا تساهلاً كبيراً من أجل تحييد موسكو وبكين ومحاولة إقناعهما بالامتناع عن التصويت على الأقل، وكنا على استعداد للموافقة حتى على رعاية روسيا للجلسة الأولى للحوار بين النظام السوري والمعارضة في موسكو، إذا قبلت هذه الأخيرة بإمرار المسودة الأخيرة للمشروع". ولعلّ ما ذكره مسؤولون غربيّون قبل أسابيع عن أنّ نتائج المعركة الدبلوماسية كانت متوقعة حين فاجأت دمشق، وبنصيحة من موسكو، بإعلان موافقتها على البروتوكول مع الجامعة العربية حول عمل المراقبين، ووصف بعض هؤلاء المسؤولين الأمر بأنه "بداية فشل سياسي لخطتنا"، ذلك أنّ الروس والصينيين والسوريين تذرّعوا بتقرير المراقبين لإسناد مواقفهم ومعارضتهم.
مع ذلك، بادر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بعد نحو ساعة على الفيتو المزدوج الروسي والصيني، إلى الدعوة لتشكيل "مجموعة أصدقاء الشعب السوريّ"، وهي مبادرة جديدة ـ قديمة يمكن وصفها بـ "بالخطة ب"، كانت قد طرحت في عدد من الاجتماعات المغلقة على أثر الفيتو الروسي ـ الصيني الأول في 4 تشرين الأول الماضي. وجاء في البيان الصادر عن قصر الإيليزيه "أنّ فرنسا لن تستسلم. وهي تتشاور مع شركائها الأوروبيين والعرب من اجل إنشاء "مجموعة أصدقاء الشعب السوريّ" التي ستهدف إلى توفير دعم الأسرة الدولية الكامل لتنفيذ مبادرة الجامعة العربية".
وشدّد البيان الذي صدر ليل أمس الأول على "أنّ المأساة السوريّة يجب أن تتوقف. والاستخدام المكثف للقوّة المسلّحة ضد المدنيين، واللجوء الشامل للتعذيب، وأعمال العنف التي تمارس ضد مئات من الأطفال هي أمور مثيرة للغضب. ويجب محاسبة من أمَر بذلك ومن ارتكب أو تساهل في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية كهذه. والدول التي تمنع مجلس الأمن من إدانة هذه الأعمال تشجع النظام السوري على المثابرة في سياسته الغاشمة والتي لا مخرج لها. وجامعة الدول العربية تحمّلت مسؤولياتها وأقرّت في 22 كانون الثاني خطة يمكن أن تسمح بوضع حدّ لأعمال العنف، وإعطاء الكلمة للشعب السوري عبر إجراء انتخابات وللرئيس بشار الأسد التنحّي مع الحفاظ على بنى الدولة بغية تلافي وقوع البلد في الحرب الأهلية".
ويبدو أنّ قصر الإيليزيه بدأ يفعِّل مشاوراته مع عدد من الدول لعقد الاجتماع الأول في باريس، على صعيد وزراء الخارجية، للإبقاء على الزخم السائد حالياً قبل انعقاد القمة العربية في بغداد.
في هذا الصدد، قال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه ليل أمس في حديث إلى تلفزيون " بي إم إف" ردّاً على سؤال: "إنّ مجموعة أصدقاء الشعب السوري ستضمّ جميع الذين يريدون مساعدة هذا الشعب، ولقد أشرت إليكم بأنّ 13 بلداً من أصل 15 في مجلس الأمن، وكل بلدان الجامعة العربية الذين اقترحوا خطة انتقال السلطة من (الرئيس) بشار الأسد الذي هو غير قادر ومجرَّد من أهليته لمواصلة ممارسة السلطة، وجميع الدول التي ترغب في ممارسة أقصى الضغوط على سوريا، وهذا ليس مستحيلاً لأننا سنواصل مساعدة المعارضة على تنظيم صفوفها، ثم أوروبا ستستمر في تقوية العقوبات ضد النظام السوري، كما سنواصل الضغط على الصعيد الدولي إلى أن يكتشف النظام بأنه وحيد ومعزول، إذاً الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي سيحاول في الأيام القليلة المقبلة أن يجمع كل الذين يرون أن الوضع لا يمكن تحمّله، فما يجري هو فضيحة حقيقية من جراء السماح لهذا الطاغية الاستمرار في ذبح شعبه".
وسئل لماذا لا تريدون شنّ حرب على سوريا على غرار ما حدث في ليبيا، فأجاب: "الوضع مختلف جدا بينهما، ولأسباب عديدة، أوّلها أنّ اللجوء إلى القوّة مع ليبيا سمح به قرار اتخذه مجلس الأمن، ولن نستخدم القوة العسكرية على المسرح الدولي إذا لم نحصل على تكليف مجلس الأمن، فالشروط ليست متوافرة في الحالة السورية كما رأيتم، ثانياً، المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا كان منظّماً، وكان تمثيلياً ويطلب منا التدخل، وهذا ليس حال المعارضة في سوريا اليوم. ثالثاً، إنّ الوقائع الليبية مختلفة عن سوريا، فالشعب موحّد ومنسجم وأراد حريته، أمّا سوريا فمقسّمة إلى طوائف ومذاهب، فهناك العلويون والمسيحيون والشيعة والسُنّة، كما أنّ نسبة خطر الحرب الأهلية مرتفعة جداً".
أمّا في موضوع سحب السفراء، فاعتبر جوبيه أنّ "لا بدّ من درس هذا الأمر بعناية مع شركائنا الأوروبيين، ولا سيّما درس تبعاته لأن سفارتنا في دمشق ناشطة على الصعيد الإنساني".
أمّا وأنّ الفيتو المزدوج قد قطع الطريق على كلّ المساعي وللمرّة الثانية على التوالي في غضون أربعة أشهر في مجلس الأمن لإدانة دمشق، وردت باريس وحلفاؤها بالدعوة إلى عقد اجتماع سريع "لأصدقاء الشعب السوريّ"، فإنّ المسألة السورية أصبحت عرضة للتجاذبات الداخلية والإقليمية والدولية وخرجت كلياً عن مسار "الربيع العربي" في كلّ من تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين، وأصبحت تذكر بالفعل بأجواء الحرب الباردة ورسم الحدود الجيوسياسية بين الأطراف المتنازعة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك