ينظر المجتمع دائما إلى المتفوّق في العمل على انه إنسان ذكيّ وناجح، قادر على موزانة كلّ جوانب الحياة ومعالجتها بحكمة وثبات... غير أن الواقع مختلف كليا عن مجمل توقعاتنا، لا بل قد يأتي صادما في بعض الاحيان. وعمرنا الفعلي قد يكون بعيدا كل البعد عن عمرنا في الحب والعمل والعائلة والحياة الاجتماعية، وما سيأتي سيشرح الواقع من منطلق نفسي.
فقد شرحت المعالجة النفسية غيلان بو عقل، في حديث لموقع mtv الالكتروني، ان الإنسان الناضج هو الشخص المسؤول القادر على موازنة مختلف النواحي التي ترتكز عليها الشخصيّة، ونعني بها: الناحية الاجتماعيّة، بحيث يدرك الشخص كيف يتصرّف، يكون له أصدقاء وتكون لديه قدرة على التعامل مع محيطه. من الناحية العاطفيّة، فتكون لديه علاقة ثابتة، من الناحية الاقتصاديّة، أي أن يكون قادراً على تحمّل المسؤوليات والاكتفاء الذاتي، من الناحية العمليّة، بمعنى ان يكون ناجحا في عمله، ذو كفاية ويحظى بالتقدير. وأخيرا الناحية العائليّة، التي تستلزم توازنا في ما سبق إضافة إلى قدرة الشخص على بناء عائلة.
وتوضح بو عقل انه ليس بالضرورة ان يكون الشخص المتفوّق في العمل، ناجحا في الحبّ أو في العلاقات الاجتماعية، فكثيرون من الناضجين عمليا يعيشون في بعض الاحيان "حب مراهقة"، بمعنى انهم يتصرّفون متى احبّوا وكأنّهم في سنّ المراهقة، من حيث التصرف والتعبير والأحاسيس الجيّاشة، وذلك يعود إلى انهم لم يعيشوا مراهقتهم في حينها، فكبرو لا يتمكنوا من التحكم بعواطفهم، وذلك قد يحصل معهم في أعمار متقدّمة.
وتشير في هذا الإطار، إلى أنه سبق ان زارها طبيب جرّاح ناجح جدا في عمله، وهو تخطى الـ45 من العمر، غير أنه يعاني من صعاب من الناحيتين العاطفية والجنسيّة، بسبب ما عاناه في طفولته.
كذلك، تشير بو عقل إلى أن أشخاصا بدرجة ذكاء عالية قد لا يعرفون بالضرورة كيفية التصرف في المجتمع أو التعرف وبناء صداقات، حتى انهم قد لا يفهمون متى بادرناهم بـ"مزحة" على الإطلاق.
كلّ ما تقدّم، تتحمّل التربية مسؤوليته وظروف الحياة التي مرّ بها الشخص خلال مراحل حياته، بحسب بو عقل، التي شددت على ان التربية تلعب الدور الاهم في بناء الشخصية. ولفتت في هذا الإطار، إلى أنه في دول الغرب، يترك الاولاد منزل الاهل بحثا عن الاستقلالية ومستقبل يبنونه بأنفسهم، فتراهم ينضجون باكراً، ويصبحون قادرين على تدبّر أمورهم بمفردهم. أما في مجتمعنا الشرقي، فيميل الاهل إلى حماية اولادهم بشكل مبالغ به، يشعرون دوماً انه من واجبهم مساعدتهم وابعادهم عن الخطر والخطأ، يقلقون عليهم، ويعملون ما في وسعهم للتخفيف عنهم، الامر الذي ينعكس في كثير في الأحيان بشكل سلبي على الأبناء. إذ أنّ هؤلاء لن يتمكّنوا في المستقبل من مواجهة صعاب الحياة، ولن تكون لديهم مناعة لتقبّل الاخطاء والاخطار، وبالأحرى سيشعرون بـ"تبعيّة" معيّنة لانهم لم يتعوّدوا أن يأخذوا قراراتهم بأنفسهم.
وفي هذا الإطار، تؤكد بو عقل، اهمية ان يحظى هؤلاء الاشخاص بمتابعة نفسيّة في أيّ عمر كانوا، كي يتمكنوا من تخطي الرواسب التي جمعوها في شخصيّتهم، فشكّلت عقبات أمام تقدّمهم على مختلف الأصعدة المهمّة في الحياة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك