لم يُخلق لجميعنا ذوقٌ موحّد... فمنّا من يحب غروب الشمس، فيما يعشق غيرنا التأمّل بشروقها. "الدنيا أذواق" يقول المثل، فلماذا إذاً لا نتقبّل في الكثير من الأوقات أذواقاً غير مشابهة لأذواقنا، ونعتبرها غريبة، غير منطقيّة، "مش حلوة"...
ولعلّ الفنّ هو "الميدان" الأكثر احتواءً على الأذواق. ففيه لغات كثيرة، وفي اللغات الكثيرة لهجات أكثر وألوان موسيقيّة متعدّدة تجعل منه عالماً له بداية، أمّا نهايته فمحجوبة عن نظرنا البشري القصير المدى.
ولعلّ الفنّ أيضاً هو من أكثر المواضيع التي نناقشها في حياتنا اليوميّة، وما هي الحياة غير نوتةٍ موسيقيّة تتمايل على أوتار الروح؟
الفنّ أذواق، ولذلك على من يقرأ هذا المقال، أن يقتنع به ويُقنع من لن يقتنع به أيضاً. خذوا دقيقة واحدة، وفكّروا بفنان لا تحبّونه، أو ربما "لا تطيقونه" لمجرّد أنّه يملك شخصيّة قوية أكثر من اللازم بنظركم، أو يملك صوتاً عريضاً لا يعجبكم، وفكّروا كم هناك من الناس الذين يحبّونه ويعشقونه... فهل هم غير منطقيّين؟ غير مثقفين موسيقياً؟ حتماً لا. فالفنّ أذواق، والحياة هي احترام للأذواق.
وفكّروا معي أيضاً، على سبيل المثال لا الحصر، كم من شخص لا يحبّ جوليا أو نجوى كرم أو عاصي الحلاني أو حتّى الراحلة صباح لمجرّد أنهم لا يشبهون غيرهم من الفنانين ولهم خطّ فنّي خاص بهم.
فمن الطبيعي ألّا يُعجب الفرد بمختلف الأنواع الموسيقيّة، ولكن هل يجوز ألّا يقدّر فنّ جوليا ويتناسى "يا قصص عم تكتب أسامينا" بسبب خطّها السياسي، ونجوى "لا تبكي يا ورود الدار" بسبب صوتها الجبلي، وعاصي "واني مارق مرّيت" بسبب أغنياته الشعبيّة؟ ومن قال إنّنا وُضعنا لنحكم على شخصيّة الفنان وطبيعة تفكيره، ونقرّر على أثرها "نجاحه" أو "فشله" الفنّي بنظرنا؟
وكم هناك من أسماء لم نذكرها بعد، وهي من الأسماء التي سطعت فنّاً وموسيقى، لكنّ حدّة شخصيّتها سبقت فنّها لدى الكثيرين وحكمت عليها ظلماً.... فهل يجوز مثلاً الحكم على فنّ أحلام بسبب آراء متسرّعة أو غير مرضية للكثيرين قامت بها سابقاً، واعتبار ذوق من يحبّها ذوقاً مزيّفاً؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك