لقد توصّلت إلى استنتاج مفاده أن غالبية الدول العربية هي العدو الأسوأ لنفسها. فالأمة العربية التي كنا نعتزّ بها كثيراً في ما مضى تفكّكت وانهارت. لقد تحوّلت مساحات شاسعة إلى بؤر اضطرابات عنيفة. لقي الملايين مصرعهم، وأصبح الملايين لاجئين، فيما تحوّل معظم القادة، إلى مجرد متفرجين لا يحرّكون ساكناً وجل ما يهمّهم هو الحفاظ على مناصبهم. إنه خطأ كبير!
سوف تنهار بلداننا، الواحد تلو الآخر، إذا لم نتكاتف وإذا لم نكن متحدين وأقوياء. روح الكل من أجل الواحد، والواحد من أجل الكل، لم يعد لها أي وجود. يجب أن تتغيّر هذه السلوكيات كي نتمكّن من البقاء والاستمرار في السنوات والعقود المقبلة.
لا نكفّ عن إلقاء اللوم على القوى الأجنبية وتحميلها مسؤولية المشكلات التي نتخبّط فيها - ولا شك في أنها تتحمّل جزءاً كبيراً من اللوم - لكن حان الوقت كي نضع تحركاتنا - أو تقاعسنا عن التحرك - تحت المجهر.
هذه منطقتنا من العالم، وفي نهاية المطاف علينا أن نتحمّل مسؤولية إيجاد حلول للمشكلات التي تعاني منها. لا شك في أن القول أسهل من الفعل. لا أقلل من شأن التحديات والعوائق التي تعترض مسارنا. لكن إذا لم نتكاتف معاً ونخطو خطوات ثابتة نحو الثقة المتبادلة، لن تصبح أراضينا فقط، بل أيضاً هويتنا كعرب ذكرى من الماضي لا وجود لها إلا في كتب التاريخ.
لنتوقّف أولاً عن التوهّم بأن لدينا بين القوى العظمى دولة صديقة سوف تهبّ لنجدتنا في حال تعرّضنا لهجوم. لن يفعلوا ذلك إلا إذا كانت مصالحهم الجيوسياسية على المحك وتلتقي مع مصالحنا.
لا يمكن أن يُترَك أمننا تحت رحمة رؤساء دول مستعدّين للتخلّي عنا بحسب ما تمليه مصالحهم. وهذا بالضبط ما فعله الرئيس الأميركي باراك أوباما عندما أبرم اتفاقاً مع إيران، الراعية الأكبر للإرهاب في العالم، ساهم في تمكينها وتعزيز نفوذها، مصدِراً لنا «تعليمات» بأن نتشارك المنطقة معها. هذه التطورات لوحدها كان يجب أن تكون كافية لتطلق جرس الإنذار بالنسبة إلى جميع الحكومات العربية غير المستعدّة أو غير الراغبة في رؤية الخطر الداهم.
علاوة على ذلك، شكّل رد أوباما الضعيف على المذابح في سورية أرضاً خصبة لظهور ترويكا روسية - سورية - إيرانية متحالفة مع الحكومة العراقية الخاضعة لسيطرة إيران، وكذلك مع «حزب الله» والميليشيات الشيعية.
لقد تسبّب هذا الارتباط بين الأفرقاء الثلاثة (الذي لم يكن ليحدث لولا تردد أوباما وتقاعسه)، بتقويض قدرة أميركا على فرض نفوذها، فبدت واشنطن وكأنها نمر من ورق.
سوف تنهار بلداننا، الواحد تلو الآخر، إذا لم نتكاتف وإذا لم نكن متحدين وأقوياء. روح الكل من أجل الواحد، والواحد من أجل الكل، لم يعد لها أي وجود. يجب أن تتغيّر هذه السلوكيات كي نتمكّن من البقاء والاستمرار في السنوات والعقود المقبلة.
لا نكفّ عن إلقاء اللوم على القوى الأجنبية وتحميلها مسؤولية المشكلات التي نتخبّط فيها - ولا شك في أنها تتحمّل جزءاً كبيراً من اللوم - لكن حان الوقت كي نضع تحركاتنا - أو تقاعسنا عن التحرك - تحت المجهر.
هذه منطقتنا من العالم، وفي نهاية المطاف علينا أن نتحمّل مسؤولية إيجاد حلول للمشكلات التي تعاني منها. لا شك في أن القول أسهل من الفعل. لا أقلل من شأن التحديات والعوائق التي تعترض مسارنا. لكن إذا لم نتكاتف معاً ونخطو خطوات ثابتة نحو الثقة المتبادلة، لن تصبح أراضينا فقط، بل أيضاً هويتنا كعرب ذكرى من الماضي لا وجود لها إلا في كتب التاريخ.
لنتوقّف أولاً عن التوهّم بأن لدينا بين القوى العظمى دولة صديقة سوف تهبّ لنجدتنا في حال تعرّضنا لهجوم. لن يفعلوا ذلك إلا إذا كانت مصالحهم الجيوسياسية على المحك وتلتقي مع مصالحنا.
لا يمكن أن يُترَك أمننا تحت رحمة رؤساء دول مستعدّين للتخلّي عنا بحسب ما تمليه مصالحهم. وهذا بالضبط ما فعله الرئيس الأميركي باراك أوباما عندما أبرم اتفاقاً مع إيران، الراعية الأكبر للإرهاب في العالم، ساهم في تمكينها وتعزيز نفوذها، مصدِراً لنا «تعليمات» بأن نتشارك المنطقة معها. هذه التطورات لوحدها كان يجب أن تكون كافية لتطلق جرس الإنذار بالنسبة إلى جميع الحكومات العربية غير المستعدّة أو غير الراغبة في رؤية الخطر الداهم.
علاوة على ذلك، شكّل رد أوباما الضعيف على المذابح في سورية أرضاً خصبة لظهور ترويكا روسية - سورية - إيرانية متحالفة مع الحكومة العراقية الخاضعة لسيطرة إيران، وكذلك مع «حزب الله» والميليشيات الشيعية.
لقد تسبّب هذا الارتباط بين الأفرقاء الثلاثة (الذي لم يكن ليحدث لولا تردد أوباما وتقاعسه)، بتقويض قدرة أميركا على فرض نفوذها، فبدت واشنطن وكأنها نمر من ورق.
يمكن أن يشكّل هذا المحور الجديد تهديداً مباشراً لجميع البلدان العربية، لا سيما السعودية ودول الخليج العربي التي تبذل الدماء وتنفق الأموال لتحرير اليمن من العصابات المسلّحة المدعومة من طهران، وذلك بناءً على طلب الرئيس المعترَف به دولياً. لو أظهر حلفاؤنا العرب التزاماً مماثلاً، لأُنجِزت هذه المهمة قبل أشهر عدة وأُنقِذت أرواح كثيرة.
إليكم جوهر المشكلة: يعتبر بعض القادة العرب أن هذه المسألة لا تعنيهم على الإطلاق. هذا النهج بالذات هو الذي تسبّب بعزل الفلسطينيين وأدّى إلى انجرار لبنان وسورية واليمن إلى المعسكر الإيراني.
وقد اصطفت دول أخرى في كتل فضفاضة غير رسمية، أو أنها منهمكة في سعيها إلى الحفاظ على تعويم بلدانها على المستويَين الأمني والاقتصادي. ليست تلك الدول على الموجة نفسها مع السعودية، وفي بعض الأحيان، تقرأ في كتاب مختلف تماماً.
على سبيل المثال، اعتمدت الجزائر التي تملك آلية عسكرية كبيرة ومتطورة، ذهنية التحصّن. ويعوّل المغرب وتونس على السياحة ويسعيان إلى حياة هادئة بعيداً عن المشكلات. أما ليبيا فتتخبّط بمفردها للخروج من الفوضى التي تعمّ البلاد بعد الإطاحة بالرئيس معمر القذافي.
وقد اصطفت دول أخرى في كتل فضفاضة غير رسمية، أو أنها منهمكة في سعيها إلى الحفاظ على تعويم بلدانها على المستويَين الأمني والاقتصادي. ليست تلك الدول على الموجة نفسها مع السعودية، وفي بعض الأحيان، تقرأ في كتاب مختلف تماماً.
على سبيل المثال، اعتمدت الجزائر التي تملك آلية عسكرية كبيرة ومتطورة، ذهنية التحصّن. ويعوّل المغرب وتونس على السياحة ويسعيان إلى حياة هادئة بعيداً عن المشكلات. أما ليبيا فتتخبّط بمفردها للخروج من الفوضى التي تعمّ البلاد بعد الإطاحة بالرئيس معمر القذافي.
يدّعي لبنان والعراق أنهما حليفان لدول “مجلس التعاون” الخليجي في حين أنهما يحتميان في الواقع تحت مظلة إيرانية. يمتنع كلا البلدَين عن تقديم الدعم لمواقف دول الخليج في جامعة الدول العربية والمحافل الدولية. تسعى بيروت جاهدة للحصول على المساعدات السعودية، ولهذه الغاية، اعترفت رسمياً بتسمية «الخليج العربي»، غير أن شركة «طيران الشرق الأوسط» لا تزال تستخدم اسم «الخليج الفارسي» على خرائطها داخل الطائرات.
أما مصر من جهتها فتسعى إلى إرساء توازن عبر محاولة إرضاء جميع حلفائها في الوقت نفسه. لا تبدي القاهرة شفافية في التعامل مع الملف السوري، فقد صوّتت أخيراً لصالح قرار مدعوم من فرنسا وإسبانيا حول حلب في مجلس الأمن الدولي، وكان مصيره الفشل المحتّم بسبب قيام روسيا باستخدام حق النقض (الفيتو). ثم، وفي الجلسة نفسها، صوّتت مصر لصالح القرار الروسي الذي لم يأتِ على ذكر فرض منطقة حظر جوي فوق المدينة التي تتعرض للقصف والحصار.
تعهّدت مصر التي تمثّل حالياً الدول العربية في مجلس الأمن الدولي، بالعمل «بقوة» للدفاع عن القضايا العربية والأفريقية وإعطائها الأولوية، فور حصولها على مقعد العضوية غير الدائمة. أدرك أن القاهرة تتعاون مع موسكو في مشاريع مشتركة كبرى، إلا أنه لا يجدر بها أن تسمح للهموم المالية بالتفوّق على مسؤولياتها تجاه أصدقائها في الخليج العربي - أو بصورة أهم، مسؤولياتها تجاه إخوانها وأخواتها السوريين.
تخيّلوا القوة والتأثير اللذين كانت جميع البلدان العربية لتتمتع بهما لو أنها تدفع كلّها في اتجاه واحد بدلاً من التجاذب في ما بينها والدفع في اتجاهات مختلفة! أين هم القادة المتنوّرون، مثل الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر الذي راوده حلم بناء أمّة عربية نافذة وقوية، وعمل بشجاعة ومن دون خوف على تحقيق ذلك الهدف؟
كان عبد الناصر شخصية ملهِمة ومؤثّرة عندما كانت معظم البلدان العربية تحت احتلال القوى الإمبريالية الأوروبية. كانت صورته تتصدّر جدران المنازل في مختلف أنحاء المنطقة. كان الناس ينتظرون بفارغ الصبر سماع خطابه الأسبوعي عبر أثير الإذاعات. كان يؤجّج مشاعرنا، ويبثّ لدينا الأمل بأننا سنتخلّص قريباً من القيود التي تكبّلنا. وقد طلب منا أن نُبقي رؤوسنا مرفوعة عالية.
أطلق مشروعه لتوحيد العالم العربي من خلال إقامة وحدة سياسية بين بلاده وسورية تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة التي كان يربطها اتحاد كونفدرالي فضفاض مع اليمن الشمالي. قدّم دعماً راسخاً لاستقلال المغرب والجزائر وتونس، على المستويَين الديبلوماسي والمادّي، وناضل، بالاشتراك مع الرئيس السوري نور الدين الأتاسي، من أجل تحرير الشعب الفلسطيني.
أطلق مشروعه لتوحيد العالم العربي من خلال إقامة وحدة سياسية بين بلاده وسورية تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة التي كان يربطها اتحاد كونفدرالي فضفاض مع اليمن الشمالي. قدّم دعماً راسخاً لاستقلال المغرب والجزائر وتونس، على المستويَين الديبلوماسي والمادّي، وناضل، بالاشتراك مع الرئيس السوري نور الدين الأتاسي، من أجل تحرير الشعب الفلسطيني.
رغم أن الأوضاع كانت سيئة جداً في تلك الحقبة، تركت معاناة الفلسطينيين أثراً عميقاً لدى جميع العرب تقريباً، وحتى مَن كانوا عاجزين بينهم عن تقديم المساعدة فتحوا قلوبهم، وفي معظم الأحيان جيوبهم.
لقد ارتكب عبد الناصر أخطاء، لكنها غُفِرت له لأنه كان محبوباً.
كانت القومية العربية بخير ونابضة بالحياة. كنا جميعنا عرباً قبل كل شيء مستعدين للدفاع عن حريتنا مهما كان الثمن. إلى جانب عبد الناصر، كان لدينا قادة يتمتعون بالحكمة وبعد النظر، مثل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي كرّس حياته ليس فقط لخدمة الإمارات العربية المتحدة، إنما أيضاً الأمة العربية بأسرها.
لقد ارتكب عبد الناصر أخطاء، لكنها غُفِرت له لأنه كان محبوباً.
كانت القومية العربية بخير ونابضة بالحياة. كنا جميعنا عرباً قبل كل شيء مستعدين للدفاع عن حريتنا مهما كان الثمن. إلى جانب عبد الناصر، كان لدينا قادة يتمتعون بالحكمة وبعد النظر، مثل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي كرّس حياته ليس فقط لخدمة الإمارات العربية المتحدة، إنما أيضاً الأمة العربية بأسرها.
كان هؤلاء من طينة أسلافنا المسلمين العظماء أمثال عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح (رضي الله عنهم)؛ كانوا محاربين نبلاء وشجعاناً شكّلوا جبهة موحّدة للقضاء على أعدائهم.
اليوم، يسخر المعلّقون العرب من مفهوم القومية العربية معتبرين أنه كان ساذجاً في ذلك الوقت، أو أنه تخطى إلى حد كبير مدّة صلاحيته. هؤلاء المتهكّمون على خطأ لأنهم يتجاهلون المبدأ الأساسي المتمثل في القوة العددية. إنهم يرفضون فكرة أن العراق وسورية واليمن وليبيا موجودة كلها في العناية المركزة في حين أن أوطاننا قد تُستهدَف في المستقبل. عندئذٍ سيصرخون طلباً للنجدة، لكن لن يبقى أحد ليسمع صراخهم.
أناشد بقوة قادتنا في دول “مجلس التعاون” الخليجي، الذين هم أملنا الأخير، كي يُجروا نقاشات صريحة مع الدول العربية التي لطالما اعتبرناها الحليفة الأقرب إلينا. يجب أن نعرف إذا كانت هذه الدول معنا أم ضدنا أم أنها تقف برِجلٍ هنا وأخرى هناك على جانبي السياج. ويجب وضع المتردّدين تحت المجهر، وفي حال تبيّن أنهم غير صادقين، علينا أن نعيد النظر بعلاقتنا بهم.
اليوم، يسخر المعلّقون العرب من مفهوم القومية العربية معتبرين أنه كان ساذجاً في ذلك الوقت، أو أنه تخطى إلى حد كبير مدّة صلاحيته. هؤلاء المتهكّمون على خطأ لأنهم يتجاهلون المبدأ الأساسي المتمثل في القوة العددية. إنهم يرفضون فكرة أن العراق وسورية واليمن وليبيا موجودة كلها في العناية المركزة في حين أن أوطاننا قد تُستهدَف في المستقبل. عندئذٍ سيصرخون طلباً للنجدة، لكن لن يبقى أحد ليسمع صراخهم.
أناشد بقوة قادتنا في دول “مجلس التعاون” الخليجي، الذين هم أملنا الأخير، كي يُجروا نقاشات صريحة مع الدول العربية التي لطالما اعتبرناها الحليفة الأقرب إلينا. يجب أن نعرف إذا كانت هذه الدول معنا أم ضدنا أم أنها تقف برِجلٍ هنا وأخرى هناك على جانبي السياج. ويجب وضع المتردّدين تحت المجهر، وفي حال تبيّن أنهم غير صادقين، علينا أن نعيد النظر بعلاقتنا بهم.
يؤسفني القول إن أكثر من دولة شقيقة في “مجلس التعاون” الخليجي تصرّفت بطرق تتعارض تماماً مع الخط الذي تنتهجه الدول الأخرى. كل دولة عضو في “مجلس التعاون” الخليجي هي دولة سيادية ولها الحق في تكوين آرائها الخاصة حول المسائل المختلفة. لكن عندما يتعلق الأمر بالمسائل الأمنية/الدفاعية التي تؤثّر في جميع الدول، يجب ألا نقبل بسلوك لا يرقى إلى مستوى النزاهة والولاء. ينبغي على السعودية والإمارات العربية المتحدة إعادة النظر في الأوضاع الحالية.
فلنبنِ دائرة من الثقة حولنا وحول شركائنا الذين أثبتوا ولاءهم لنا. حتى لو كان حجم هذه الدائرة صغيراً في البداية، يمكنها أن تبثّ إشعاعاً قوياً نحو الخارج بفضل النجاح وحسن النيّة.
فلنبنِ دائرة من الثقة حولنا وحول شركائنا الذين أثبتوا ولاءهم لنا. حتى لو كان حجم هذه الدائرة صغيراً في البداية، يمكنها أن تبثّ إشعاعاً قوياً نحو الخارج بفضل النجاح وحسن النيّة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك