الى هذا الحدّ تبدو الساعات المقبلة حاسمة جداً. جبران باسيل يلغي سفره الى استراليا، وميشال عون لا يحضر الى "بيت الشعب"، كما فعل جمهوره، لأنه من الأفضل البقاء في مرتبة "صفراء"، بين المرتبتين الحمراء والخضراء!
أعدّ لـ"العرس" بإتقان لكن "العريس" لم يحضر. نُصح "الجنرال" من القيّمين على الأمن ألا يُغادر الرابية، في هذه المرحلة الدقيقة، فكان أن خاطب المدّ البرتقالي عبر شاشة وبخطاب مسجّل بفارق وقت قصير، مع أنه "خاطر" بأمنه في ذكرى 13 تشرين العام الماضي وحضر شخصياً وصعد الى المنصة، وتكلّم لوقت أطول من الأمس.
لم يؤثر ذلك على معنويات وتفاعل من حضر من أجل رؤية "الجنرال" يقف، لآخر مرّة ربما، عند عتبة القصر. الأهمّ ما علق في أذهان العونيين بعد خطابَيْ جبران باسيل وميشال عون، حين ختم بيار رفول برنامج إحياء ذكرى 13 تشرين بـ"اقلبوا 13 تشرين شو بتصير؟ ستكون 31 يوم الانتصار. حضّروا حالكم".
من خارج السياق، يُطمئن رفول الأمواج العونية "عشيرة آل مشيك والمصري أعلنت تأييدها لوصول عون الى الرئاسة، فشكراً لهم"!
لم يساعد خطاب رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" المهادن أمس على تحفيز بعض "المغامرين" تنفيذ خطة "جهنمية" وردت في رؤوسهم. فور انتهاء البرنامج يتم الاستيلاء على أحد الميكروفونات ويُطلب من "العونيين" اقتحام "بيت الشعب"!
باسيل نفسه، خلال كلمته، حرّض "الثائرين" على الأمر الواقع حين قال "لا يجوز كل مرّة منوقف على الطريق وما منقدر نطلع عل القصر"، معترفاً أنه زار قصر بعبدا مؤّخراً "لكنني وجدته بلا روح من دونكم".
مّرة أخرى، العقل يتغلّب. الجمهور ملتزم الى أقصى حدّ ولا مجال للتهوّر او الانفعالات. يسانده مشهد أمني حاضن. قوى الأمن في الواجهة والجيش يكاد لا يرصد له أي أثر من قريب.
لافتة يتيمة تجوّلت مع صاحبها طوال ساعات الصباح ولم تصلها المؤازرة من أحد. "سلّتك طلعت فاضية يا أستييييذ". لم يكن هناك من صدى لهذا النوع من الشعارات لا على الأرض ولا المنبر، مع ذلك كان الشاب العشريني محط جذب للكاميرات وعنوان "ثأر" للعونيين. فقط لافتة ثانية في مكان آخر كانت تعزف على الوتر نفسه "بري كان معو أرنب. اليوم ما عاد أرنب معو"!
الهتافات، الشعارات، عدّة الاستعراض الشعبي... كلها كانت مضبوطة. حتّى الخطباء استفاضوا في تذكير من يعنيه الأمر "بأن "الجنرال" أبعد ما يكون عن الفكر التقسيمي"، مع استحضار مقصود لكليشيهات "الشيخ" و"الابونا"، والصلاة المشتركة الإسلامية المسيحية.
"أقراص" التهدئة فرضت نفسها. اختلف المشهد تماماً عن 13 تشرين 2015، يوم هدّد عون "المتلاعبين بالاستحقاقات بدفع الثمن، وبانكسار سيف مَن يقاتلون بسيف غيرهم"، متوعّداً "المبسوطين بالجلوس على كراسي الحكم، إن ساعة الندم قد أتت"، وملوّحاً بالشارع على طريقة "لا شيء يمنع من وقت لوقت أن نتنزّه نحنا وإياكم في شوارع بيروت".
عون بأقراص "التفاهم الوشيك" مع سعد الحريري، بدا أقرب الى "حمامة سلام" ترفرف فوق قصر بعبدا.. "الجنرال" يقدّم "بروفه" لخطاب القسم المؤجّل مع تجنّب كامل للاحتكاك السياسي مع رافضي انتخابه.
المؤكّد أن ميشال عون لا يزال متسلّحا بـ"صبر أيوب" من دون أن يفقد البوصلة "أنا الرئيس الذي لم أنتَخَب بعد".
نبوءة مراسلة التلفزيون "البرتقالي" لم تتحقّق. راهنت على مشاركة قواتية ترفد المدّ العوني بمجموعات تعطي قوة دفع أكبر للميثاق "الذي إما يكون أو لا يكون لبنان".
لكن أهل "13 تشرين" أخذوها على عاتقهم. حمل بضعة افراد منهم صورة لـ"الحكيم" كتب عليها "شكراً سمير جعجع"، فيما رصد علم "قواتي" يتيم.
لم يعُد التعداد ينفع مع عون. لم تعد المسألة مسألة أرقام، وهاجس المساندة من جانب الحلفاء في الشارع ليس موجوداً.
المشاركة في الذكرى التي كانت أكبر حجماً من العام الماضي، على الرغم من تأخّر وصول الوفود من المناطق ما استدعى تأخير الكلمات نحو ساعة، كانت هذه المرّة بهدف سماع ما يثلج القلوب إما تصعيداً وإما سماع الخبر السعيد من فمّ "جنرالهم". لا هذا ولا ذاك حصل.
على طريقة "نصف الحَبَل" الذي قاد عون الى العودة عن لغة التصعيد في الشارع والالتحاق بجلسات مجلس الوزراء بنصف مشاركة، والقبول بنصف تعيينات، وفتح الأبواب جزئياً أمام التشريع. جاءت الذكرى بـ"نصف وهج" بعد أن جُرّت الى منطقة الترقّب.
غياب الخبر "السعيد" حتى الآن هو الذي دفع باسيل للقول إنه لا يزال "يحلم" بأن يقف ميشال عون على شرفة القصر الجمهوري ويهتف "يا شعب لبنان العظيم"، ودفعه الى استخدام الـ"إذا" الشرطية "إذا انتقلنا الى بيت الشعب معكم سنصبح حاكمين وحالمين، وإذا صعدتَ الى فوق (لعون) ستصبح أب كل اللبنانيين وترفض التفاهمات الثنائية والثلاثية والرباعية".
في الانتظار، العونيون لا يضيّعون الوقت. "الذكرى" ستكون مناسبة لرفع عدد المنتسبين إلى "التيار" عبر انتشار "جيش" من المحازبين يدعوك الى الانتساب والحصول على بطاقة "على الواقف" بمجرد الإدلاء ببعض المعلومات عنك، والدعوة تصبح أكثر إلحاحاً إذا كنت إعلامياً!
هؤلاء كاد عددهم يتفوّق على عدد عناصر "الانضباط" أصحاب البدلات العسكرية السوداء. تعامُل بمنتهى اللطافة. الغائب الأكبر هي قيادات "التيار" المفصولة مؤخّراً من الحزب. أما شامل روكز الذي انتظر العديد من العونيين حضوره المناسبة فلم يشارك بسبب عدم حضور "الجنرال".
صناديق وكميونات الليمون والتفاح جاهزة للضيافة. هي ليست ضيافة الرئاسة، لكنها تنفع لـ"التصريف" أمام مفرق القصر في عزّ الحديث عن انفراجات رئاسية. لم يتسنَّ لنواب "التيار" وقياداته، الذين خُصّصت لهم أماكن الى جانب أهالي الشهداء، أن يتذوّقوها. هؤلاء انفلشوا أمام الشاشات بغياب "الجنرال" ليزيدوا حيرة العونيين أكثر "ننتظر تبنّي ترشيح الحريري لعون وبعدها، نعالج الباقي من المطبّات".
"الجنرال": بناء الدولة بتجديد النخب السياسية!
أحيا "التيار الوطني الحر" أمس ذكرى عملية 13 تشرين الأول الـ 26 في تظاهرة شعبية كبيرة على طريق القصر الجمهوري في بعبدا، شارك فيها آلاف المناصرين المحازبين من مختلف المناطق اللبنانية.
بداية ألقى رئيس "التيار" جبران باسيل كلمة أكد فيها أن "لبنان من دون ميثاقه ليس وطناً، وحلمنا اليوم هو الوطن، تنظيفه لا من الزبالة فقط بل من الفساد، وحلمنا اليوم هو بناء الدولة والحفاظ على الميثاق".
وقال "ميثاقنا وضعه كبارنا واليوم سيعيد إحياءه كبارنا، ميثاق ليس ثنائياً ولا ثلاثياً ولا رباعياً بل ميثاق وطني فيه الجميع متساوون، وطن حر سيّد مستقل لا يلحق أحداً، لا سياسات ولا محاور".
أضاف "نعم حلمنا يوقف ميشال عون على شرفة قصر بعبدا ويصرخ يا شعب لبنان العظيم ولكن يقف معه جميع اللبنانيين يداً بيد، وأيديهم الى فوق".
وتوجّه الى عون قائلا "سترتاح منا وتتركنا في "التيار" بعد أن كنت أب "التيار" ووالدنا وأخانا ورفيقنا. وستصبح أب كل اللبنانيين، ستتعب من دون تفاهم ثنائي، وسترفض كل تفاهم ثنائي وثلاثي ورباعي لتصير صانع التفاهم الوطني، سنخسرك كي يربحك كل اللبنانيين".
أما العماد ميشال عون الذي أطل عبر شاشة عملاقة من الرابية، فأكد أن "بناء الوطن أول ما يكون باحترام الدستور والميثاق والقوانين، والمشاركة المضمونة والمتوازنة لكافة الطوائف دون كيدية أو عزل أو قهر".
أضاف "بناء الوطن ومؤسساته يكون على أيدي الأكفاء الذين يترفعون عن المكاسب الشخصية ويمتازون بأعلى درجات النزاهة والشفافية وبروح العدالة والتجرد، وبوضع حد للمحسوبيات والاستزلام، واحترام الكفاءات في الاختيار، وعودة معايير الولاء للدولة، وبدعم استقلالية القضاء، وبتجديد النخب السياسية من خلال قانون انتخابات عادل يؤمّن التمثيل الصحيح...".
وقال "عملية البناء هذه تعني أن يكون لبنان ورشة عمل وورشة إعمار على كل الأصعدة، يشترك فيها كل اللبنانيين"، معتبرا أن "الوطن لا يكون إلا للجميع، وعلى الجميع أن يتشاركوا مغانمه ومغارمه".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك