قرّرتُ ألّا أنظر من النافذة، فقلبي يكفيه تعبٌ من ضجيج المدينة المكتظة بالناس الذين بينهم وبين احترام القانون دهرٌ وأبديّة. وعلى صوت فيروز، قرّر قلبي ألّا يُتعِبَ قلبه أكثر، فاتّجه الى صور قديمة للبنان الحلم الذي لا يستحقّ أبداً ما يعانيه اليوم بسبب طمع "الكبار" فيه.
وهناك، على صفحة Old Beirut Lebanon عبر موقع "فايسبوك"، التقيت بالمدينة التي تَغَنّى بها الشعراء العرب والأجانب. تلك المدينة التي شهدت مسارحها أهمّ الحفلات وأكثرها رقياً وإبداعاً. وما أن "غرقت" في حنين الماضي، حتّى التقيت بصور للعمالقة الذين لولا أصواتهم لكان لبنان الحلم "تحت سابع أرض" اليوم.
بصُوَر فيروز ونصري شمس الدين في الاستديو وهما يقومان بتسجيل إحدى الأغنيات سويّاً، وصور الشحرورة صباح ووديع الصافي، عاصي الرحباني، سلوى القطريب، فريال كريم، ابراهيم مرعشلي وغيرهم، عادت الغصّة الى القلب من جديد.
فهل كانت فيروز تعلم أنّ لبنانها بدلاً من أن يُنسّم فيه "الهوا" النقي، سيختنق فيه البشر من المعامل غير المطابقة لشروط الصحة العامة؟ لا بل، هل شعرت فيروز بأنّها ستغنّي يوماً لـ "الهوا" وتقول "فايق لم كنّا سوى"، وهي تنظر من منزلها الى غيوم التلوّث فوق العاصمة الحبيبة.
وهل كان وديع يعلم بأنّ يومنا هذا سيكون اليوم الذي فيه سنقف على أطلال "بيروت باريس الشرق"، ونستمع إليه يرندح "على الله تعود على الله...".
وبعد، هل خطر في بال صباح يوماً، أنّ في صخب الحياة التي تحبسنا في "مستنقع الشرق"، لم يعد هناك مكان للبساطة، لا الجبنة ولا الزيتونة ولا البطاطا...
أأيقن نصري شمس الدين سابقاً أنّ صياداً سيوجّه سلاحه نحو المدينة التي لا تعرف النوم؟ أأدرك يوماً أنّ "الصّيادي" سيزدادون ويطلّون من التلال ليقتلوا بطمعهم "زنبقة" المتوسّط.
أكانت تعلم سلوى القطريب يوماً أنّه في بلاد المياه، سيتاجرون بالمياه ويعطش أبناء الوطن الذي لا تجفّ شلّالاته وأنهاره؟ ولو علمت بذلك لكانت بدّلت في كلمات أغنياتها لتصبح "على نبع الميّة يا صبيّة قلتلّي عطشان، عبّي الجرّة يا صبيّة، رح نعطش بلبنان".
لماذا لم يستمع "أصحاب القرار" الى أحلام هؤلاء العظماء الذين يرفعون حتى اليوم اسم لبنان الغارق في ديونه ومشاكله بسبب طمعهم؟ لماذا لم يستمع أحد منهم الى أغنية من أغنياتهم "الألماسية" قبل أن يوقّع على قرار سيحطّم الحلم الذي لن نتخلّى عنه يوماً؟ لماذا لم ينظر المسؤولون يوماً الى هذه التلال الخضراء وذاك البحر الأزرق الشاسع، ويفكّروا قليلاً قبل أن يوقّعوا أوراق الصفقات والمؤامرات، ليجعلوا منه ساحة لقتال الغرباء؟
فيا ألف أسف عليك يا لبنان العمالقة، "يا قطعة سما عالأرض تاني ما إلها"، "يا لبنان دخل ترابك"، "يا وطني بحبّك"، "يا أحلى من الحلى"... يا حلم بات طيفاً يرجع إلينا في أصوات من يستحقّون أن نسميّهم عمالقة...
وتجدون صوراً نادرة "للعمالقة" مرفقة أعلاه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك