عاش لبنان قرابة العامين بلا رئيس دولة وببرلمان معطل، بسبب تضارب المصالح وتجاذب الطوائف، في نظام متعدد الطوائف يرتع فيه الفساد، وبسبب تجاذب نفوذ دول إقليمية، وتدخلات في شؤونه الداخلية.
وقد يكون لبنان البلد الوحيد الذي يسير ذاتياً، بلا دفة رئاسية أو حكومية، فالزائر للبنان لأي غرض، لا يشعر بغياب الرئيس أو الأزمة البرلمانية، فالسياحة تسير على قدم وساق، والشارع عامر بالمحلات والمطاعم، لكن الأزمات التي يسببها الفساد، ظاهرة للعيان مثل انقطاع الكهرباء المتكرر وأزمة النفايات والخدمات.
وتقال حكاية في لبنان إنه في الخمسينات، طلب المسؤولون اللبنانيون من أحد خبراء الاقتصاد الأجانب، أن يضع لهم خطة للميزانية التي كانت في أزمة ولا تزال، وبعد أن تجول الخبير في أنحاء لبنان، رجع إلى المسؤولين قائلاً: اتركوا الأمر على حاله فالبلد ماشٍ ومنتعش، دون تعديل للميزانية التي يمكن أن تربك استقرار البلد، وأسلوب معيشة الناس.
لكن أهل لبنان أدرى بمشكلاتهم وأزماتهم العميقة، والمستوى المعيشي المتفاوت، وكذلك الأخطار والتحديات التي تحيط بلبنان من كل جانب، وبالأخص الأزمة السورية وإسرائيل المتربصة به، والتي تحتل جزءاً من أراضيه، إضافة إلى التهديد الإرهابي، في ظل ضعف عسكري وأمني، فلبنان بلد هش.
وفي خطوة مفاجئة للجميع قام الرئيس سعد الحريري، بترشيح ميشال عون وهو المرشح الأساسي لـ"حزب الله" لرئاسة الجمهورية ، بعد أن رشح ودعم سليمان فرنجية للرئاسة، كما أعلن حليفه جعجع ترشيحه لعون، من أجل رئاسة الجمهورية، والهدف هو إسقاط ترشيح فرنجية نهائياً، وهي ليست خطوة ضد الحريري، في ظل رفض نبيه بري وجمهور الحريري وأعوانه.
وبرر الحريري ترشيحه لعون المثير للجدل، بعد الاتفاق معه، بعدم المساس باتفاق الطائف وتحييد لبنان عن الصراع السوري وإطلاق عجلة المؤسسات وتحريك الاقتصاد، لكنه يأمل بأن يكون رئيساً للحكومة، فيما أسماه اتفاق سياسي كامل.
وعند استقبال بري لعون لوحظ أنه كان استقبالاً فاتراً، لا حفاوة بروتكولية فيه، وكان صريحاً معه إذ قال له: إنني سأصوت ضدك ولن أعطي صوتي لسعد الحريري، ملتزماً أنه لن يسميه رئيساً للحكومة، وسيذهب للمعارضة.
في لبنان تتغير التحالفات بين يوم وآخر، والهدف الحقيقي ليس مصلحة لبنان واستقرار شعبه، بل محاصصة ومنافع بين الطوائف، وتحظى هذه الخطوة بمباركة السيد حسن نصر الله، الذي سيعلن في خطابه القادم التأكيد على أهمية الحوار والانفتاح وإبرام التفاهمات الضرورية لحماية العهد الجديد، الذي سيستمر ست سنوات مقبلة، فهل سنشهد في القريب العاجل أي تغيير جذري محتمل؟ لا أظن ذلك.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك