اخطأت قوى 14 اذار مرة اضافية من خلال التبني علانية لسياسة الانغماس في التطورات السورية والتي تحمل اخطاراً مستقبلية كبرى على لبنان.
ففي السنة الماضية وفي الذكرى نفسها جرى تعميم كلمة السر على جميع الخطباء بعدم التطرق الى سوريا لا من قريب ولا من بعيد. يومها كانت السياسة الاقليمية تستوجب تجنب استفزاز سوريا بسبب الدورالذي كانت تضطلع به في لبنان، في ظل تقارب واضح بينها وبين المملكة العربية السعودية.
وفي مهرجان 14 آذار، التزم الخطباء الذين تناوبوا على الكلام تحت الصورة العملاقة للملك السعودي، بعدم التطرق الى سوريا والاكتفاء بالتركيز على سلاح حزب الله.
لكن الظروف التي استجدت على المنطقة، والدور المطلوب من لبنان في هذا الاطار، جعلت من خطباء هذه السنة يركزون على تبني دعم المعارضين السوريين، فيما تراجع ملف سلاح حزب الله في هذه الخطابات الى المرتبة الثانية.
وبذلك كرس مهرجان14 شباط بشكل رسمي ربط لبنان بشكل كامل في الوحول السورية، وهو خطأ كبير ستكون له اثاره المستقبلية.
ووفق المنطق نفسه الذي يورده الرئيس سعد الحريري من زاوية انتقاده لموقف الحكومة اللبنانية حين يتساءل عما سنفعله عندما سيصل المعارضون الى السلطة؟ فان الجواب المنطقي يكون ايضا: ماذا سنفعل اذا بقي النظام في السلطة، فيما كل المعطيات الميدانية والسياسية بدأت تميل لمصلحته ؟
لا بل اكثر، لماذا يسعى البعض لاستعادة الخطأ الكبير الذي حصل مع الفلسطينيين في الستينات والسبعينات في القرن الماضي، حيث شرعت الابواب امام العمل الفلسطيني المسلح بعد احتلال ارضه وطرده منها، ما ادى الى ضرب المناعة الداخلية الهشة اصلا، وادخال الفلسطينيين كعنصر اساسي في الحياة السياسية الداخلية ما ادى الى الحرب الاهلية التي ما زلنا نعاني منها حتى اليوم.
يومها جرى استهداف الجيش بهدف محاصرته ومنعه من تأدية واجبه، واليوم هنالك حملة مشابهة يتولاها بعض نواب الشمال.
وفي المقابل، بدت الصورة اكثر خطورة مما كان يعتقد مع انفلاش المسلحين خلال الاشتباكات التي اندلعت بين جبل محسن وباب التبانة: اسلحة بكثرة، ومسلحون من كل الالوان، وحيث لم تكن المعارضة السورية بعيدة عنها.
لا بل ان انفجار مخزن الاسلحة والذخائر كشف عن بنية تحتية عسكرية كاملة لهؤلاء تماما على صورة ستينات القرن الماضي مع الفصائل الفلسطينية.
وفي الاستنتاج فان هذا التداخل اللبناني السوري على ارض الشمال، يفتح الابواب بسرعة نحو التسيب الامني، والفوضى الكبرى، وحتى لو صحت الاستنتاجات القائلة بان المعارضة السورية ستستولي قريبا على السلطة في سوريا، فان الانعكاسات على لبنان ستكون اخطر مع سقوط مبدأ الحدود المعنوية بين الشأنين اللبناني والسوري، وهي آخر ما تبقى من انجازات العام 2005، مما يعني انه في حال الوصول الى هذا الواقع، فان التداخل بين الشأنين سيكون كبيرا جدا.
وحتى مضمون الرسالة التي اذيعت للمجلس الوطني السوري، فانها لا تعتبر ضمانة، اولا في ظل الانقسامات والخلافات الكبرى، بين اطياف المعارضة، وحيث تبدو القوى الاسلامية هي التي تمسك بالارض، وثانيا لانها تعتبر كوعود انتخابية والتي لا يبقى منها شيء بعد وصول المرشح الى موقعه. اضف الى ذلك، ان دروس التاريخ تؤكد بان الاطماع في لبنان كانت دائما اطماع سورية وليس ابدا اطماع فئة حاكمة دون اخرى.
والخطأ الاكبر، هو ما سيظهر بعد هذا التبني العلني والرسمي لقوى 14 آذار، ففي معرض سردها لحجم التدخل الخارجي في الوضع السوري الداخلي، ابلغت دمشق موسكو عن وجود عدد لا بأس به من جثث مقاتلين تعود للبنانيين يشاركون في القتال داخل الاراضي السورية. وحيث ان السلطات السورية تقوم بتوثيق هوياتهم وكامل المعلومات عنهم.
كذلك، فان بعض المعتقلين تحدثوا عن نقل السلاح الذي يجري من لبنان الى الداخل السوري والذي يتجاوز المسألة التجارية، ليصل الى حد وجود رعاية سياسية و«رسمية» في بعض نواحيه.
ويبدو ان سوريا تتحضر لطرح هذا الملف ديبلوماسيا مع لبنان، وبشكل رسمي بعد الانتهاء من العمليات العسكرية في حمص والمتوقعة قبل نهاية هذا الشهر.
وسيكون ذلك في معرض الاشارة الى وجود تهريب مزمن للسلاح والذخيرة الى الداخل السوري، ما مكّن المعارضين من تسليح عشرات الالوف من الرجال وتأمين ذخيرة لهم كانت كافية لمقاتلة الجيش السوري طوال اسابيع متواصلة، في وقت لا تستطيع فيه حالات الفرار تأمين هذه القدرة العسكرية، بدليل عدم تمكنها من الاستيلاء على آلية عسكرية واحدة.
المهم ان هذا الملف الذي سيجري طرحه على الملأ سيعزز من دون شك، مضمون مهرجان14 شباط، والذي ذهب بعيداً في انزلاقه في الازمة السورية.
كما انه سيضعف الحجة التي يسوقها حول سلاح حزب الله في الصراع مع اسرائيل، فيما هذا الفريق بالذات يرعى عمليات التسلح والمقاتلين السوريين في اطار النزاع السوري الداخلي على السلطة،انطلاقا من الاراضي اللبنانية.
وسط كل ذلك، ترقد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في نوم عميق، يريده رئيس الحكومة بانتظار جلاء الصورة في سوريا ليقرر سياسته فيما بعد. ولذلك ستبقى هذه الحكومة غارقة في سباتها العميق لاسابيع طويلة قبل ان يستفيق رئيسها على حسابات اوضح بالنسبة له.
لكن اشارات الامتعاض بدأت تظهر من الاوساط السياسية المحسوبة على سوريا في لبنان، والتي باتت واثقة ان سوريا اصبحت في المقلب الثاني من الازمة، وان لا خيار امام الغرب سوى اعادة وضع حسابات جديدة في المنطقة قد تكون الانتخابات الفرنسية محطةزمنية مناسبة لها، وسط التراجع الكبير الذي يصيب حملة ساركوزي ما يوحي بهزيمة له في ايار المقبل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك