أيا تكن الأسباب والدوافع والشهوات والموْنات، فان الأمور اللبنانيّة لا تُعالج على أساس أنا والعائلة والحقائب الوزارية التي أُريد، أو لا أحد ولا حكومة مثلاً.
بل بالحوار تُدار الدفة والخلافات والمطالب عادة. وبتدوير الزوايا. ولا يموت الديب ولا يفنى الغنم. وتحت مظلَّة الميثاق ودستور الطائف. وباشراف ناطورة المفاتيح والصيغة والنموذج، التي تدعى الديموقراطية التوافقيَّة، أو اللعبة البرلمانيَّة وفق التقاليد اللبنانيَّة.
هذا لمن فاتهم الاطلاع على مسيرة الحياة السياسيَّة، والاعراف التي "حلَّت" تدريجاً محل النصوص أحياناً. وللوافدين حديثا على "الساحة".
في نهاية المطاف، والرقص، والحوْربة، والمواجهات القبلية العشوائيَّة البدائيّة المستمرة منذ سنين، من الضروري جداً الوقوف لثوانِ أمام المرآة. مع العقل. مع اسئلة الضمير والواجب الوطني. أمام لبنان المدمَّى المشرذم المعرَّض للانفساخ والانقسام والاندثار.
ولا بأس بمحاولة الاغتسال من الأحقاد والضغائن والثارات العفنة، بمياه التسامح والمغفرة. ومن أوَّل وجديد.
فلا الزمن زمن حرب البسوس.
ولا لبنان يستطيع تحمُّل تبعات حرب داحس والغبراء ثانية.
شيء من التعالي والترفُّع عن الأنانيّات والحسابات الشخصانيَّة، ولو بالحد الأدنى وعلى افتراض أن البلد والدولة والمؤسّسات والوزارات والادارات أملاك خاصة لهذا المتزعم المفتوح الشهيَّة على كل شيء وبلا رادع أو وازع، أو لذاك الذي يمنّن اللبنانيين يوميّاً انه يسمح لهم أن يذهبوا الى أعمالهم من غير أن تفاجئهم الحواجز الطيَّارة.
هذا الكلام الصريح، الذي يحلَّ في مرتبة الكتاب المفتوح، موجَّه في الدرجة الاولى والأخيرة الى فريقي آذار بالتساوي. الى 8 و14 وما بينهما وما صنع الحداد. وبميزان العدل والمسؤولية والواجبات تجاه لبنان والمصلحة الوطنيّة العليا. وبعيداً من هذه المزايدات والعكاظات التي لم تعد تخرط في عقول اللبنانيين الذين، بلغوا أخيراً، سنَّ الرشد، وباتوا يميّزون بين القمح والزوآن وبين الوطنية والمركنتيليّة.
الى "الجنرالات" بصيغة الجمع، وبالجملة والمفرَّق، الذين ينوٍّمون البلد على سيل من التهديدات ويوعونه على عاصفة من التوعُدات، ويبقونه خلال النهار المحموم بين نارين متأججين.
والى الأحزاب والتيارات والتكتَّلات المدجَّجة جميعها كلّها بالمتغطرسين المنرفزين العابسين المقطبي الجبين المنادين بالويل والثبور في كل أوان وحين.
والى أولئك الطاحشين، لا شور ولا دستور، على البلد المكسور الخاطر والجناح، وعلى النظام والدستور والميثاق والاتفاقات ومقررات طاولات الحوار التي أصبحت جميعها حبراً على ماء لا على ورق، والذين زرعوا المخاوف والهواجس في النفوس والصفوف، وحتى في أرجاء الأحياء والحنوات وحيث تقيم الطوائف الأخرى التي لا تملك الآلاف من الصواريخ والآلاف من عديد الجيوش الاضافيَّة، والمليارات التي تصبُّ مزاريبها في هذا المربَّع أو عند الدويلة.
لقد انفلق لبنان المسكين من البهورات والعنترات. وانفلق الناس. وانفلق الأشقاء والأصدقاء فشمّعوا الخيط وفلّوا.
تكراراً نذكّر الطوائف الكبرى، التي تتزاحم وتتنافس وتتدافع على المناصب والمكاسب، بالطوائف الأخرى، وبلبنان، وباللبنانيين كشعب واحد في وطن واحد، صحيح انه لم يتكوَّن بعد إلا أن هذا هو اسمه "الدستوري" على الأقل.
وهذا التذكير استوجبته حال العرقلة وحالات أصحاب الشهوات المفتوحة، الذين نصبوا المكامن والحواجز للرئيس المكلَّف نجيب ميقاتي، فيما البلد يتقلَّب كالعشّاق على جمر النار.
فلربما يحسّون على دمهم.. ولو مكرهين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك