منذ اندلعت الأزمة السورية، ميّز الرئيس أمين الجميّل موقفه منها عن حلفائه في قوى 14 آذار. لا يزال في صلبها، ولا يعود إلى أمانتها العامة. لا يجاري الحلفاء في التدخّل في الشؤون السورية. لا أحد يعرف كيف تنتهي، ومتى. مَن يربح، وبماذا يختلف رابحها عن الخاسر.
الرئيس أمين الجميّل أحد قلّة من الجالسين إلى طاولة قوى 14 آذار، لا يعرفون سوريا فحسب، بل أيضاً عقل الحكم والحاكم فيها. أحد قلّة من هؤلاء لم يجتمع باللواء غازي كنعان إلا عندما كان يرافق نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدّام إلى قصر بعبدا أو المقرّ الصيفي للرئاسة في بكفيا. لم يعرف، كرؤساء آخرين، عنجر لأنه لم يقصد دمشق براً. عندما كان يحضر كنعان إلى قصر بعبدا لتنسيق قمّة في دمشق أو زيارة خدّام بيروت، كان يركن سيارته في مرأب السيارات خارج حرم القصر، ولا يدخله بها ليوقفها عند المدخل. من المرأب ينقله ميني باص إلى المدخل الرئيسي.
أوجب هذا الإجراء حينذاك انفجار سيارة داخل مقرّ السفارة الفرنسية في شارع كليمنصو عام 1980، بتفخيخها من دون معرفة صاحبتها الموظفة في السفارة، فحصد الانفجار عشرات الضحايا. انتقلت عدوى الخشية إلى قصر بعبدا، فمُنعت السيارات ردحاً من الزمن من بلوغ المدخل الرئيسي. شمل المنع أيضاً كنعان الذي شكا، فنقلت الشكوى إلى الرئيس.
الجميّل أحد قلّة من حلفائه في قوى 14 آذار جلس مع الرئيس حافظ الأسد 12 قمّة. انتهت القمّة الـ11 في سيارة الأسد في مطار دمشق وهو يودّع الرئيس اللبناني الذي رفض الاتفاق الثلاثي في 13 كانون الثاني 1986. ثم كانت القمّة الـ12 بعد قطيعة طويلة بين الرئيسين، كان قد قال خدام على أثر القمة الـ11 إنه لا أخرى بعدها: لا قمّة ثانية عشرة ولا قمّة ثالثة عشرة. لكن الجميّل ذهب إلى دمشق في 21 أيلول 1988 لمقابلة الأسد وإنقاذ الاستحقاق الرئاسي من شغور حتمي في الساعات التالية بمحاولة الاتفاق على ترشيح مخايل ضاهر، فأخفق المسعى. بعد مغادرته الرئاسة، تهاتف الجميّل مع الرئيس السوري مرتين، وظلّ خيط رفيع يجمع بينهما، إلى أن أرغمه حليفه الحالي، قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، على مغادرة لبنان في 9 تشرين الأول 1988.
ذات يوم، بعد إلغاء اتفاق 17 أيار 1983، قال خدّام عن الجميّل إنه أحسن رئيس عرفه لبنان. قال، طبعاً، كلاماً مشابهاً في كل رئيس حليف لسوريا، وقال نقيضه في كل رئيس ناوأها. لم يختلف مع سوريا إلا اثنان هما الجميّل، ومن قبله الرئيس الياس سركيس. لكليهما نجاح مشترك هو أنهما لم يسمحا لسوريا بالسيطرة على مجلس النواب والجيش والرئاسة، ولم يضعا في جواريرها ورقة تنازلات سياسية مكلفة. لم يوافقا على أمن سوريا من أمن لبنان،
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك