ما كُتب قد كُتب. عبارةٌ تختصر المشهد السياسي في لبنان الذي يسير بخطى ثابتة نحو "الفصل الثالث" من التسوية الكبرى التي أعادتْ تعويم آليات الحكم وكرّستْ الاستقرار السياسي والأمني في البلاد عبر عزْلها عن "ملاعب النار" في المنطقة.
ويتمثّل هذا الفصل، الذي أعقب انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري، بالتوافق على قانون انتخابٍ يعيد إنتاج السلطة وفق حساباتٍ بدتْ ضاغطة على كل القوى السياسية التي وجدت نفسها مضطرة لتقديم تنازلات متبادَلة لتفادي سيناريواتٍ قاتمة تطيح بمجمل التسوية الكبرى.
وبعدما حَمَل الأسبوع الماضي حسْماً للإطار العام والأساسي لقانون الانتخاب الجديد عبر تَوافُق سياسي على قاعدة اعتماد النسبية الكاملة في 15 دائرة والصوت التفضيلي على مستوى القضاء، فإن الساعات الـ 48 المقبلة يفترض ان تشهد استكمال اتفاق "الأحرف الاولى" بإنجاز التفاهم على جوانب تقنية أساسية ما زالت عالقة تمهيداً لاجتماع مجلس الوزراء الأربعاء المقبل لإقرار مشروع القانون وإحالته بصفة المعجل المكرر على البرلمان الذي يعقد جلسة الاثنين المقبل للتصويت عليه بـ "نعم" كبيرة.
وأكدت مصادر مطلعة لـ "الراي" ان "حصان" قانون الانتخاب "خرج من الحظيرة" ولم يعد هناك أي إمكان للعودة به الى الوراء وان ربع الساعة الأخير من المفاوضات حول الشقّ التقني لن يحمل اي انتكاسات من النوع الذي يعطّل القرار السياسي الكبير بالإفراج عن قانون الانتخاب قبل نهاية ولاية البرلمان في 20 الجاري.
ووفق هذه المصادر فإن المسائل التقنية العالقة، مثل حسْم اعتماد نسبة عشرة في المئة (ضمن الدائرة) كعتبة تأهيل للوائح للتمثّل بمقعد وما فوق، وطريقة احتساب الأصوات و"الكسور" الزائدة تخضع لدوْزناتٍ قبل التفاهم النهائي حولها، لافتة الى أنّ عقدة موعد إجراء الانتخابات وتالياً فترة التمديد التقني للبرلمان يفترض أن يتمّ التوصل الى توافق في شأنها، ولا سيما اذا قررت غالبيّة الأطراف مقاربة هذه النقطة من زاوية الاعتبارات التقنيّة البحتة التي كان اختصرها التقرير الذي رفعه وزير الداخليّة نهاد المشنوق بناء على دراسة لفريق من الأمم المتحدة أكدت الحاجة الى 7 أشهر لزوم التكيّف مع القانون الجديد واستكمال التحضيرات اللوجستيّة والجهوزيّة لانتخاباتٍ وفق النسبيّة. علماً أنّ فريق رئيس الجمهوريّة يفضّل إجراء الانتخابات في تشرين الأول المقبل مقابل رغبة أطراف أخرى بالسير بمقتضيات "دراسة المشنوق" وتالياً إرجاء الاستحقاق حتى أواخر آذار المقبل (لتعذُّر إجراء الانتخابات في عزّ الشتاء).
وفيما بات إقرار القانون بمثابة "تحصيل حاصل"، فإنّ ثمّة معطياتٍ تشير الى محاولة لجعْل هذا القانون جزءاً من اتفاق سياسي عبر إنجاز ما يشبه "إعلان نيات" (للمرحلة المقبلة) يتضمّن نقاطاً أساسية يسعى الى تحصيلها "التيار الوطني الحر" وشريكه في الثنائية المسيحية حزب "القوات اللبنانية" ولا سيما لجهة إنشاء مجلس الشيوخ وتكريس المناصفة المسيحية - الاسلامية في البرلمان وإقرار اللامركزية الإدارية.
ورغم أنّ استيلاد قانون الانتخاب بدا "قيصرياً" وعلى "حافة الفراغ"، فإن نجاح القوى السياسية في التوافق عليه ترك ارتياحاً داخلياً وخارجياً، لا سيما ان هذا التطور سيسمح بتحصين الواقع اللبناني حيال التحدّيات الأمنية وأخطارها المتزايدة.
وكان لافتاً في هذا السياق عودة الأنظار الى جرود عرسال حيث تجدّدتْ منتصف ليل السبت - الأحد المواجهات بين تنظيم "داعش" وعناصر "فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً) بعد هجوم من الأول على مراكز للأخيرة في منطقة عجرم، وسط معلومات عن قيام أحد انتحاريي "داعش" بتفجير نفسه على حاجز لـ "فتح الشام" ما ادى الى وقوع عدد من القتلى والجرحى.
وفيما استهدفتْ مدفعية الجيش مجموعة مشاة مسلّحة لـ "داعش" كانت تحاول التسلل في الجرود وأوقعت إصابات في صفوفها، ربطتْ أوساط متابعة المواجهات بين "داعش" و"فتح الشام" في جرود عرسال بالمفاوضات الجارية عبر قوى اقليمية لإنهاء وجود "النصرة" في الجرود على قاعدة ضمان خروج مسلّحيها وعائلاتهم الى مناطق في سورية، وهو ما كان أشار اليه الامين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله في إطلالتيْه الأخيرتيْن، لافتة الى ان "داعش" يحاول استباق بلوغ هذه المفاوضات نهايتها، ما يعني محاصرته بالكامل ووقوعه بين "فكيْ كماشة" من المقلب السوري (حزب الله والجيش السوري) واللبناني (الجيش اللبناني)، عبر الاستيلاء على معابر رئيسية تفتح طريقه الى بلدة عرسال ووضْع اليد على مخيم النازحين في مدينة الملاهي (هو خارج نطاق سيطرة الجيش اللبناني) بما يجعله في وضعيّة دفاعية أفضل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك