
شربل رحمة
في كلّ مسلسل، "شرير" أو "شريرة" يكرهه المشاهدون. فلا يكتمل أيّ مسلسل، ولا يُحتمل أيضاً، من دون هذه الشخصية التي تثير في داخل الجميع غضباً كبيراً. فشخصية "الشرير" هي التي تصنع دوماً المعادلة الناجحة في أيّة قصة. ولكن، هل وقعتم مثلي من قبل في عشق هذا "الشرير" أو "الشريرة"؟
منى واصف، التي تستحقّ صفة "القديرة" بامتياز، أجبرتني على الوقوع في حبّ شخصيّتها حيث تبدع في إبراز عطفها الشديد على أولادها، وقساوة قلبها في وجه من يحاول الاقتراب منهم. ولا يمكنني أن أنسى مشهدها عندما قالت لخصمها: "اللي بيرمي ولادي بورد، برمي بالدمّ".
إنّها "الشريرة" التي تُرعب الجميع بمن فيهم أولادها، فهم متى تكلّمت خرسوا واستمعوا بتمعُّن لما تقوله، وقبلوه من دون سجالات أو حتّى مفاوضات. هي التي قرّرت ألّا تتخلّى عن "الهيبة" بعد وفاة زوجها، بل قرّرت البقاء فيها مع أولادها لتكون "الشاميّة" التي تشكل الرقم الأصعب في القرية. وهي التي أجبرت "عليا" و"جبل" على الزواج، وحقّقت ما تراه مناسباً لعائلتها، على الرغم من محاولة العروسين الابتعاد عن هذا القرار.
"كلمتها كلمة"، و"ما بتصير تنين"... إنّها فعلاً تجسيد للسيّدة القويّة التي يمكن أن تبني امبراطورية وتدمّر أخرى في أنٍ معاً. ولكن، هل من الطبيعي أن نعشقها وهي التي لا تعطي مجالاً للخطأ ولا تتراجع عن رأيها مهما كان؟
"ناهد" لم تكن لتخطف قلوبنا بقساوتها لولا عيون منى واصف، التي تلمع بريقاً أمام عدسات الكاميرات. لم نكن لنتعلّق بـ "ناهد" لو لم تلعب منى واصف دورها، فهي بابتسامتها ترسم ابتسامتنا، وبنَفَسها تقطع أنفاسنا، وبكلماتها تُخرس تعابيرنا وتجبرنا على الإصغاء... والتنفيذ، كما لو كنّا حقاً في "الهيبة".
لم يلعب أحد غيرها دور "الشرير" بهذه الطريقة، ولم يقدر أحدٌ غيرها أن يجعلنا نتمنّى أن تطول إطلالة الشخصيّة القاسية في أيّ مسلسل آخر.
تدرك واصف تماماً كيف توجّه نظراتها في المَشاهد، وكيف تلعب على نبرة صوتها وتتحكّم بطبقاته لتُحكم القبض على أذهاننا. تؤدّي دورها باحتراف كبير، وتعلم جيّداً كيف تجسّد الشخصيّة بطريقة أقرب الى الواقع ممّا كنّا نتوقّعه قبل بدء المسلسل.
إنّها فعلاً فخر للدراما السوريّة والعربيّة، وهي بكحلتها وأحمر شفاهها تخطّت كل الألقاب، وجمعت أجمل الأوصاف في اسم واحد... "منى واصف".