أقامت الرابطة السريانية ندوة فكرية بعنوان "ماذا بعد تحديات المسيحية المشرقية" في قاعة كنيسة مار يعقوب السروجي -السبتية لمناسبة الذكرى الـ 102 لمجزرة سيفو شارك فيها وزير الخارجية جبران باسيل، مدير المؤسسات البطريركية الخيرية في العطشانة المطران ميخايل شمعون، المطران جورج قصارجي ورئيس الرابطة حبيب افرام.
بداية، النشيد الوطني ونشيد سيفو، ثم دقيقة صمت لراحة نفس شهداء المجزرة ونشيد السريان، بعد ذلك تحدث شمعون فأكد أن "الكنيسة تبقى عبر التاريخ الشهيدة والشاهدة، شهيدة الحق والحقيقية، وشاهدة على القيامة التي لا بد منها مهما اشتدت الصعاب، واذ اعتبر اننا نعيش سيفو جديدة في سوريا والعراق في هذه المرحلة، انتقد المجتمع الدولي الذي سكت في الماضي ويصمت اليوم على رغم كل الضجيج الاعلامي".
وأضاف: "نحن في الرابطة أول من أحيينا الذكرى في الشرق ولن نمل، كتب محاضرات بيانات حراكات أشعار وفكر، من يعرف، كيف تتغيَّر الاحوال والسياسات والحكومات وحتى الدول. نحن في سيفو جديد الآن. ينهون المسيحية المشرقية من بلاد النهرين والجزيرة السورية يضطهدون أقباط مصر، يمحون أثرنا في الأراضي المقدسة. دواعش آخر الأزمنة بالحقد والجهل والتكفير وفتاوى الجنون. بصمت غربي حتى التواطؤ، بغباء عربي حتى الخرف. ومع كل ذلك، وبسبب كل ذلك نقاوم ونصمد. في آخر واحات الشرق لبنان. ليس هينا ولكننا في قلب نضال، رغم نظام يصنفنا "أقليات مسيحية" ولا يعطينا حقوقنا، ويميز بين أبنائه بدرجات المواطنة، فاننا نعوِّل على عهد عماده رئيس للجمهورية فيه حس مشرقي، وكان قد رعى وحضر وخطب في ذكرى المئة عام لسيفو في فندق لورويال عام 2015، وحاضر هنا في هذه القاعة في ذكرى الشهداء السريان عام 2013".
وتابع: "ونحن حلفاء مع تيار وطني حر، رئيسه معنا اليوم، وهو، للتاريخ، حاول جاهدا أكثر من مرة إنصافنا. ولو أن الظروف عاكسته. أنا أثق بوعيه وتفهمه وارادته وادراكه ونشاطه. ونحن في مسيرة واحدة، ولو أننا لم نحصل على ما طالبنا به، وهو حقنا. 3 نواب للأقليات المسيحية، لن نتراجع ونضع هذا بندا أولا في كل لقاء مع أي مسؤول. ونشكر له وقوفه معنا ونعد أننا سنبقى يدا واحدة إن نقل مقعد الاقليات الى الدائرة الاولى هو دفعة على حساب مفتوح وليس بدلا عن ضائع، حتى إنصافنا في الادارة والوزارة والنيابة".
وسأل:"الى أين؟"، خاتما أنه "ليس لدينا إلا أن نبقى نتجذر أكثر نناضل أكثر حتى وطن على حجم تضحيات كل شهدائه - جيشه وأبناؤنا - وحتى شرق فيه كرامة لكل انسان ولكل جماعة".
وكانت كلمة للوزير باسيل قال فيها: "أحرق دمر أقتل، كلمات ثلاث تضمنتها برقية طلعت باشا وزير الحرب العثماني عام 1915 الى والي ديار بكر طلب فيها إبادة السريان وإحراق قراهم وتدمير بيوتهم ومحوهم عن وجه الارض ظنا منه بأنه وبقوة السيف قد يقضي على شعب أراد الحياة. أما النتيجة: مات طلعت باشا وعاش السريان".
أضاف: "منذ مئة وعامين، شهدت منطقتنا بداية عملية إبادة إثنية عجز التاريخ عن لحظها والإهتمام بحجمها وتبعاتها. نحن اليوم نعيد للتاريخ اعتباره من خلال احتفالنا سنويا بذكرى مذابح سيفو والتي بدأت عام 1915، عندما تذرع المسؤولون في سلطات تركيا الفناة بمواجهة تدخلات القوى العظمى المتسللة عبر مكونات المجتمع العثماني، فأطلقوا يد عسكرهم للاقتصاص منها على أساس انتمائها الديني والمذهبي والإثني. وقد عانت المجموعات المسيحية، على وجه الخصوص، من ردة الفعل الإجرامية، فنالت نصيبها من التجويع والقتل والذبح والترحيل، وقد عرفت واقعة طور عابدين بأنها الشرارة الأولى لمجازر بحق المكونات المسيحية امتدت من بعدها حتى عام 1920 حاصدة مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء".
وقال: "يعود المؤرخون الى جذور عمليات الإضطهاد التي تعرض لها المدنيون الأشوريون والسريان والكلدان وغيرهم من الروم البونطيين الى أواخر القرن التاسع عشر والى العام 1805 تحديدا، عندما بدأت المجازر الحميدية، أولى عمليات الإبادة بحق مواطنين أرمن اتهموا بمحاولة اغتيال السلطان عبدالحميد الثاني، على خلفية ارتباطهم بالقوى العظمى الساعية الى إخضاع الأمبراطورية العثمانية. بمعنى آخر، ومن منظار تاريخي، سبق مشروع الإضطهاد مجازر سيفو بعقدين، يدل ذلك على ان هذه المجازر أتت نتيجة تخطيط وتحضير ممنهج. وتبع مجزرة طور عابدين العديد من المجازر، كتلك التي حصلت في حطاري وسعرت ومجازر ولاية ديار بكر، وعلى امتداد هذه الفترة، وبالرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة، تقدر الدراسات عدد ضحايا هذه المجازر بين 250 الف و500 الف شخص، وإذا ما أضفنا ضحايا مذابح سيفو على ضحايا الأرمن والروم، فيبلغ العدد مليونين ونصف المليون شخص".
وتابع: "ما لقاؤنا اليوم إلا موعد لتوجيه التحية الى اولئك الذين اضطهدوا فذبح ثلثهم وجوع حتى الموت ثلثهم وهجر الثلث الآخر فتبعثر حول العالم. وللتذكير بان الأقليات كانت تمثل ثلث سكان منطقة جغرافية أصبحت تمثل 0,1 بالمئة من سكان هذه المنطقة، بعدما تعرضت للاضطهاد والإبادة، ولتأكيد أهمية اعترافنا بتقصير دولي لجهة اعتراف المرتكب بذنبه ولجهة محاسبة المذنب على ارتكاباته".
أضاف: "خلال تلك السنوات الحالكة بين 1915 و1920 أرادوا إبادتهم في طور عابدين وماردين ودياربكر ونصيبين والرها وغيرها، لكنهم عاشوا في أوروبا والولايات المتحدة وفي لبنان، في زحلة وبيروت والمتن، حاملين حيثما حلوا "انتماء لمشرقية" متعددة المذهب والألوان. عاشوا في لبنان، البلد الرسالة، على أرض تفتح يدها لاحتضان كل مضطهد ومهجر في الأرض. أرض تضرب بيد من حديد كل من يريد الإعتداء على حقها بالحياة والحرية، أرض يفتخر شعبها بأنه يبني عليها دولة تتميز باحترام التعددية في إطار المناصفة الفعلية بين طوائفها المسيحية والإسلامية، ويطمح الى تطويرها وعصرنتها حتى تصبح دولة تحترم مبدأ المواطنة دون تمييز بين فرد وآخر".
وتابع: "نجتمع اليوم، وما أشبه اليوم بالأمس. نجتمع في وقت تشهد البشرية صراعا بين الأحادية والتعددية في العلاقات الدولية بين الأحادية القطبية والتعددية القطبية، في تأسيس الدول وتكوين مجتمعاتها بين الأحادية الدينية والعرقية والتعددية الدينية والعرقية، وفي تكوين السلطات بين الأحادية السياسية الإلغائية والتعددية التشاركية. لن نقبل أبدا، بأن ينتصر نموذج الأحادية الدينية والتطهير العرقي، ولا سياسة الإبادة الممنهجة واضطهاد الأبرياء في أي صراع بين الأحادية والتعددية، سيبقى لبنان بشعبه المتنوع العظيم، بمسلميه ومسيحييه، رأس حربة في النضال من أجل التعددية، من أجل المساواة والعدالة والحرية، من أجل عدالة التمثيل، رأس حربة في مواجهة التنظيمات الإرهابية، عسكريا ودبلوماسيا وفكريا".
وقال: "ندرك أنه لو عوقب الفاعل كما يجب آنذاك، لتجنبت البشرية الكثير من المذابح والمجازر والإبادات التي عقبتها مخلفة ملايين الضحايا حول العالم. ونسأل: لو نجحت البشرية في منع الإبادات الجماعية آنذاك، هل كانت لتظهر الدول العنصرية القائمة على التطهير العرقي؟ هل كانت لتقوم إسرائيل ولتكبد شعوبنا ويلاتها العسكرية وشر فكرها الإلغائي والعنصري والتدميري؟ هل كات لتقوم تنظيمات كالقاعدة وداعش والنصرة، كيف لا وهي تمول من قبل دول وتدعم وتسلح من قبل أنظمة؟".
وقال: "نحن أحفاد الذين نجوا من مجاعة جبل لبنان، ومن مجازر سيفو، لن نسمح بأن تتكرر تلك المذابح اليوم، وها هو جشنا البطل وشعبنا المقاوم يتصدى لهم على الحدود عسكريا وفي الداخل مخابراتيا وفي المجتمع يواجههم شعبنا فكريا وثقافيا وها لبنان كله يهزمهم بمسيحييه ومسلميه".
أضاف: "البارحة ترجمنا انجازا متقدما على سيفو سياسية في لبنان كانت تعتمد قوانين انتخابية إقصائية أدت الى شعور بالتهميش وقلق من الإستهداف وكانت تهدد حقوق اللبنانيين ومبدأ المناصفة ومفهوم العيش الواحد".
وتابع: "بالأمس توافقنا على قانون انتخابي يسمح للمواطنين بأن يكون صوتهم مؤثرا في إيصال ممثليهم الى الندوة البرلمانية. نجحنا في وضع قانون انتخاب يحسن صحة التمثيل السياسية لكافة المكونات اللبنانية ويعيد في بيروت مثلا حقا للأقليات ومنها للطائفة السرياتية التي قدمت الكثير ولا تزال لبقاء لبنان وانتصار التعددية فيه، وتمكنا بعد جهد طويل من إعادة مقعد الأقليات في بيروت الى مكانه. إننا من منطلق مسوؤلياتنا، نتطلع الى بناء قدرات مجتمع حي وحيوي، يتفاعل مع المتغيرات المحيطة والتحديات المحدقة، نتطلع الى كل فرد، فنرى في كل واحد منا المواطن، الشريك في مشروع جماعي. فتكون عندها المواطنة، ويتحقق معها الإنصاف".