صرخة ممثّل... بعد "موسم رمضان"
28 Jun 201714:13 PM
صرخة ممثّل... بعد "موسم رمضان"

في مجال الفنون التشكيلية او المشهدية، ليس هناك عمل ناجح وآخر فاشل، إذ ان هناك حدّا ادنى لا يمكن تخطّيه، نظراً لما يتطلبه انتاج عمل فني من جهد وارهاق كي يصل الى المشاهدين، ناهيك عن الأكلاف الماديّة الباهظة في حال دُفعت لمستحقّيها.


فمسرحيّة "هاملت" لشكسبير مثلاً، عُرضت على مدى عشرات السنين في معظم المسارح العالمية من قبل عشرات المخرجين ومئات الممثلين، وما من عرض كان يشبه الآخر...
العمل الدرامي حالة تحاكي حالات المشاهدين ومشاعرهم وأحاسيسهم. ومحاولة فرض رأي واحد عليهم، ليست من الحكمة بمكان. فآلاف المشاهدين، يملكون معرفة وثقافة فنّيتين لا يستطيع اختصارهما أحد مهما ادعى واسترسل.
لست هنا بصدد الدفاع عن اي مسلسل محدّد ولا انتقاد اي واحد آخر، ولا بصدد انتقاد المنتقدين، فالآراء تختلف من اقصى الايجابية الى اقصى السلبية.
ولكي نكون موضوعيين، يجب الّا ننسى، انّ ايّ عمل درامي، لا يمكن أن يصل الى المُشاهد الا بكلفة تفوق المليون دولار كحد أدنى، اضافة الى جهد فريق العمل، وهذا الأمر ليس لعبة ولا "كسدورة".


إن الآراء النقدية التي تصدر عن ناقدين رافقوا تصوير عمل واحد في مسيرتهم، تختلف كل الاختلاف عن رأي من انتقد من على كرسيّه امام الشاشة، ومن بداية الحلقة الاولى لاي مسلسل دراميّ. ولا اقصد هنا الانتقاص من رأي ايّ انسان، فالكل حرّ بإبداء رأيه وأنا واحد منهم، ولكن ما من عمل قد يعجب كل الناس وما من عمل قد لا يعجب كل الناس، إن نصّاً او انتاجا او اخراجا او تمثيلا...
السؤال الذي يطرح نفسه:
من من المنتقدين كتب قصة او سيناريو او حوارَ مسلسل؟
من منهم اخرج مسلسلا؟
من ادار تصوير مسلسل؟
من أدار ممثلاً في مسلسل؟
لا أحد...
هل معرفتنا الفنية والتقنية كافية وواثقة في هذا المجال، كي تساعدنا على النقد الموضوعي البناء؟
يحكى عن النص، وعن الاخراج وعن التمثيل...
ما هي مقوّمات النص الجيد؟
ما هو مقياس التمثيل المقنع؟
ما هي مقوّمات الأخراج الجيّد؟
هل هي التقنيات الحديثة ومعرفة استعمالها؟
هل هي قراءة ثانية للنص، وإضافة لمسة ابداعيّة عليه؟


احد النقاد الذين أحترم رأيهم، ربط جودة الاخراج بحركة الكاميرا في "ادهم بيك"، بعد ان عَنوَن بما يشبه كارثة هيروشيما...
ولكن هل اجواء كل المسلسلات تسمح بتحرّك الكاميرا كيفما كان؟ في الماضي القريب، كان "الزوم" في المسلسلات المصرية "فايت طالع"، واغلب الاوقات بسرعة الصاروخ. هل من يذكر؟ اليوم "الزوم" بح.
عدسات متنوعة، ولكل لقطة عدستها. اصبح التقدم بالكاميرا نحو الممثل او التراجع بها عنه، يحصل على سكك حديدية وبعدسة ثابتة. إنها تقنيات السينما. كل المسلسلات تُنفَّذ اليوم خارج الأستوديو. تصوّر في الخارج وداخل المنازل بطريقة السينما مئة في المئة. ٣٠ حلقة تلفزيونية اليوم، يوازي انتاجُها انتاجَ ١٥ فيلماً سينمائيّاً بكل الحالات والمفاهيم. في حين أن معظم افلام السينما العالمية تصوّر غالبية مشاهدها في الأستوديوهات، للافادة من التقنيات العالية والسرعة في التنفيذ وسهولة التعامل مع تقنيات الصوت والإضاءة وحركة الكاميرا.
إن لم نكن قادرين على النقد الموضوعي العلمي الرصين، فلنعطِ كل عنصر من عناصر العمل حقه، ولتنحصرْ اراؤنا بـ "حبّينا او لم نحبّ" وذلك رأفة بأعصاب المنتج، واحتراما للمجهود المضني الذي يتكبّده المخرج كي يصل بالسفينة الى الشاطئ. والممثلون، أعجبنا آداؤهم ام لم يعجبْنا، فهم بذلوا اقصى المستطاع، متحمّلين ظروف العمل القاسية في اغلب الاوقات، فقد لا يستأهلون الإطراء، لكن حتما لا يستأهلون التجريح.


اما عن آداء الممثلين...
ليست كل الشخصيات متشابهة، لا في العمل الواحد ولا في الاعمال المختلفة. نص طارق سويد ممتاز. كذلك هي كل النصوص التي عُرضت. مشهدان فقط لابو فراس في "أدهم بيك" جعلاني اقبل المشاركة في العمل. ومع احترامي للآراء المتنوعة، ابو فراس ليس ابو ماجد في "ورد جوري" وليس عدلي بيك في "امير الليل". مشاعر حزن ابي فراس على فقدان ابنه الوحيد مع احساسه بالذنب بعد فقدان الأول، ليس حتماً حزن ابو ماجد على كارثة اغتصاب ابنته القاصر في "ورد جوري"، ولا حزن عدلي بيك على زواج ابنته من صهره بعد وفاة ابنته الاولى، لا احساساً ولا انفعالاً. واسعد رشدان او نقولا دانيال او رنده كعدي لن يلعبوا دور الاحفاد بعد اليوم.


أخيراً، أشكر كل من انتقد الأعمال كلها بموضوعيّة وبتجرّد.
كما أشكر كل من أثنى على عملي وجهدي وجهد زملائي جميعهم من دون استثناء وأقول: لم تتوافق الآراء على جودة كل المسلسلات، رغم انها كانت كلها جيّدة بحضور روح المنافسة الإيجابية، وذلك لاوّل مرة في تاريخ الدراما الحديثة بعد انتاجات تلفزيون لبنان... فمنهم من احب "ادهم بيك" او "ورد جوري" او "الهيبة" او "كراميل" او "لآخر نفس" او "وين كنتي" اوغيرهم.

تحيّة محبّة واحترام لكل من ابدى رأيه في أي عمل، كما اكرر احترامي لكل رأيٍ موضوعيّ، متمنيّا ان تؤخد كلُ معطيات وظروف أيٍّ من الأعمال بعين الاعتبار.
فلو اردتُ الانتقادَ بعين كاتب ومخرج وممثل، لما سلِمَت من قلمي او لساني أيّةُ لقطة من أي مشهد في أي مسلسل، لأنّ المعادلة ليست حسابية...
والسلام.