افتتح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي المؤتمر السنوي الرابع والعشرين للمدارس الكاثوليكية بعنوان "الراعوية المدرسية في المدارس الكاثوليكية في لبنان: رؤية ومسارات" في ثانوية الراهبات الأنطونيات - مار الياس - غزير.
وألقى الراعي كلمة قال فيها: "المدرسة تتعاون مع الوالدين في اداء واجبها التربوي، وتحل محل الجماعة البشرية في تربية أعضائها. وهي بالتالي تلبي الدعوة والرسالة الموكلتين إليها من العائلة والكنيسة والمجتمع والوطن. إنها تعنى بإنضاج إمكانيات التلميذ الفكرية، وبتنمية قدراته على التحليل والحكم في الأمور، وبإدراجه في رحاب التراث الثقافي المكتسب عبر الأجيال، وبإعداده للحياة المهنية، ومساعدته على نسج علاقات صداقة، مع رفاقه من مختلف المذاهب والمناطق، وعلى روح التفاهم.
وتضع المدرسة كل طاقاتها في خدمة الجماعة المسيحية، وبصورة أشمل، في خدمة الوطن كله. فهي تعتني بالبعد الروحي والأخلاقي، وتقدم رؤية للإنسان والتاريخ مستنيرة بالإيمان وبشخصية يسوع المسيح. أما المعلم فهو المحور الأساس لإنجاح العملية التربوية، وصنع الجماعة. إنه وجه المدرسة، المؤتمن على تربية كل تلميذ وتلميذة من تلامذته باسم أهله والمجتمع والكنيسة والوطن. فالمطلوب أن يكون ذا ثقافة أكاديمية، ومميزا بأخلاقيته وقيمه الروحية. ليس المعلم مجرد ملقن معلومات ومدرب مهارات، بل هو أولا مرب يجسد في شخصه المبادئ التي يعلمها. إنه بذلك يشدد روابط الجماعة التربوية.
ويأتي التلميذ العنصر الثالث في المدرسة بعد الإدارة والمعلم. إنه شريك مساهم في تتميم غاية العملية التربوية، وهدف الجماعة ومبرر وجودها. إنه العامل الأول في تربيته الذاتية الذي يخلق بينه وبين المعلم والإدارة، وبينه وبين مكونات الجماعة التربوية الأخرى علاقات محبة واحترام".
ورأى أن "المكون الثاني في صنع الجماعة التربوية هو العائلة"، قائلا: "على الوالدين، لأنهم نقلوا الحياة لأولادهم، يقع الواجب الخطير لتربيتهم. فهم المربون الأولون والاساسيون بالنسبة إليهم. لذا، من واجبهم خلق الجو الملائم في العائلة، والمميز بالحب وتقوى الله ومحبة الناس. فالعائلة هي المدرسة الأولى للفضائل الإنسانية والاجتماعية، وللتنشئة الإنسانية. ويعود للوالدين الحق وحرية اختيار المدرسة لأولادهم، بحيث يعتبرون أنها تواصل التربية التي يريدونها لهم. فيقع على السلطات المدنية واجب حماية هذه الحرية والدفاع عنها، باحترام العدالة التوزيعية، ودعم الأقساط المدرسية من المال العام من أجل الحد من تنامي هذه الأقساط وضبط زياداتها، بهدف التخفيف عن كاهل الأهل لكي يتمكنوا من اختيار المدرسة لأولادهم بملء حريتهم، ووفقا لضميرهم. وهذا مطلب متكرر اليوم، بحكم الدستور اللبناني. إننا نحمل القيمين على شؤون الدولة المسؤوليات التالية: مسؤولية إرهاق المواطنين بالأقساط الجديدة التي سترتفع حتما، كنتيجة لسلسلة الرتب والرواتب وقد طالبنا بها وأردناها عادلة ومنصفة للجميع؛ ومسوؤلية إرغام أية مدرسة على إقفال أبوابها؛ ومسؤولية زيادة عدد العاطلين عن العمل من بين المعلمين والموظفين؛ ومسؤولية حرمان المناطق الجبلية والنائية من مدارس مجانية وغير مجانية، وتهجير أهاليها إلى ضواحي المدن الكبيرة".
وأكد أنه "تجنبا لهذه المخاطر الاجتماعية التي تصيب الثقافة والتربية والوطن، نطالب مع دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، ما سبق وطالبنا به. فقال مشكورا، في الخطاب الذي ألقاه الأربعاء الماضي في ذكرى الإمام موسى الصدر، ما حرفيته: "الرئيس شارل ديغول واجه مثل هذا الموضوع، فاعتبر المدرسة الخاصة ذات منفعة عامة، ودفع رواتب المعلمين لقاء حق المراقبة. ونستطيع نحن أن نقول بدفع فرق الرواتب لقاء حق المراقبة، وأن نفعل شيئا من هذا الموضوع مقابل بعض الرقابة في هذا الأمر".
أضاف: "المكون الثالث هو المجتمع المدني، بما فيه من جمعيات أهلية وبلديات وأندية وسواها، إنه مدعو للافساح في المجال أمام التلامذة كي يقوموا بمبادرات تجسد المبادئ التي تعلموها، ويتمكنوا من الاندماج في مجتمعهم، وتحفيز قدراتهم فيه. ومن واجب المجتمع المدني حماية المدرسة وتعزيز النشاط التربوي ومساندة الأهل حيث تدعو الحاجة .المكون الرابع هو الدولة، المسؤولة عن سن القوانين والأنظمة للمؤسسات التربوية، ووضع المناهج. ومن واجبها تأمين المستوى الرفيع للدروس عبر كفاية المعلمين والجهاز المدرسي. وبما أنها تسن القوانين للتعليم الرسمي والخاص على السواء، فمن واجبها بحكم العدالة التوزيعية، أن تدعم التعليم الخاص ماليا كما قلنا. إن مدارسنا الكاثوليكية ترفض أن توضع، من قبل المسؤولين السياسيين، في مواجهة مع المعلمين وأهالي التلامذة. فليست مدارسنا ضد زيادة رواتب المعلمين، ولا هي تريد إرهاق الأهل بزيادة الأقساط. بل من أجل حماية المعلمين والأهل تطالب مدارسنا الدولة بدفع فرق الزيادات على الرواتب. فكيف تستطيع القيام بواجبات الرواتب الجديدة، وقد تسجل تلامذتها ووقعت العقود مع المعلمين وفقا لأقساط العام الدراسي المنصرم، ووفقا للموازنة الموضوعة قبل صدور سلسلة الرتب والرواتب؟ وإلا كانت حال مدارسنا كحال الشخص الذي يرمى في الماء ويقال له: "لا تتبلل".
ومن الواجب الدولة أن تحمي التربية الأخلاقية والإنسانية، بضبط الانحرافات والممارسات المعاكسة عبر وسائل الإعلام وتقنيات التواصل الاجتماعي. فهذه، إذا أحسن استعمالها ببرامج بناءة، تكون شريكة فعالة في العملية التربوية، وبخاصة عندما يستعملها التلامذة لأغراض علمية وثقافية، ولإحياء حوار بناء مع الآخرين".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك