برعاية وحضور رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة أية الله الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان جرى إحياء الليلة العاشرة من محرم في قاعة الوحدة الوطنية في مقر المجلس بحضور حشد من علماء الدين وشخصيات سياسية وقضائية وعسكرية وتربوية وثقافية واجتماعية ومواطنين غصت بهم قاعات وباحات المجلس ليفترشوا الطرق المجاورة للمجلس، وعرّف بالمناسبة الشيخ علي الغول وتلا المقرئ أنور مهدي آيات من الذكر الحكيم .
وألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان كلمة من وحي المناسبة استهلها بالقول: حين تتعقَّب الإمام الحسين بالذّاكرة الدِّينيَّة والوثائق التَّاريخيَّة تجد عجباً، فهو في مخطوطات البحر الميت رأسٌ فوقَ رُمحٍ مخضَّب، يملأ الرَّبُّ قارورةً مِن دمِ نحرِهِ, تشير إلى سخائه الأبدي وحضورِه الدّائم. وفي الشُّروحات المقدَّسَة إشارة إلى امرأةٍ مسربلة بالشَّمس والقمر، على رأسها إكليل مِن اثني عشر كوكباً، كُلُّهم مُعَذَّبُون مشرَّدُون رغم أنَّهُم حرسُ الرَّبّ بأرضِه وصوتُهُ الأكبر، منهم كوكبٌ ذبيحٌ يتحوَّل عزاءُهُ طريقاً للرَّبّ وحجَّاً للمحبِّين مِن كافَّة أقطار الأرض. وفي المُكَرَّر مِن شروطٍ كثيرةٍ لدى المسلمين، أنَّ ابن عبَّاس وأم سلمة وجابر وغيرهم رَأوا النبي يحملُ "قارورةً حمراء" وهو أشعث أغبر، مكروب محزون، فسألوهُ عن حال هذه القارورة، فقال: ما زلتُ في هذا اليوم ألتقطُ دمَ ولدي الحسين بأرض كربلاء، وأجمعُ أشلاءَهُ، والآن انتهيت مِن دفنِهِ ودفن أهل بيتي وأصحابه، وهذه قارورة جمعتُ فيها دمَهُ بعدما ضُرِّجِ بكربلاء، فتحرَّوا ذلك اليوم فكان اليوم العاشر مِن محرَّم الحرام في العام ٦١ للهجرة. وأينما أدرنا الطَّرف بدت قصَّة تلك القارورة وذلك الرَّأس الذي يحكي الرَّبُّ قصَّةَ قداسته ويشير إلى مذبحِهِ المعظَّم ومذبح أهل بيتِه وطفله الصغير الذي يتحوَّل حجَّاً للخليقة ومقصداً لها مِن كلّ حدب وصوب.
واردف...اليوم-كما الأمس-يتجلَّى الإمام الحسين حجَّاً تطوفُهُ النَّاس بقيم تُصرُّ على صلة الإنسان بالله، قِيَم ترفض تحويل الإنسان إلى غريزة أو مجرَّد حجر بالسّياسة، أو ضحيَّة لسياسات اجتماعيَّة فاشلة، أو سلعة للإرتزاق التربوي والصّحِي، رغم أنَّ أطروحة الإمام الحسين لا تمنع المبادرة الفرديَّة لكنَّهَا لا تقبل دولةً تتمرَّد على الحقوق الأوليَّة للإنسان.وليست السُّلطة بمشروع الإمام الحسين مقدَّسة إلاَّ إذا وَعَت الإنسان كَمُقَدَّس، وقَدّرَت برامِجَها على خدمتِهِ وتأمين مصالحه وحاجاتِه، بعيداً عن لعبة التَّلزيمات المهرَّبة، والصَّفقات المُمَوَّهَة، والشَّركات المكتومة القيد، والنُّفوذ، والتَّهريب بمختلف تسمياتِه، وفي أساسيَّاتِه: الإنسان بوعيه لذاتَهِ بأخلاقِهِ، بطريقة عيشِه، بالعدل السياسي، بالبرامج الضَّامنة، بالسّياسات التربويَّة، بمكافحة الفساد، بمنع الإقطاع الفكري والتَّبعيَّات العمياء، بقطع يَدِ الفساد، بتمكين الإنسان مِن دورهِ بعيداً عن تهديده برغيفهِ ووظيفتِه ومهنتِه، و"الوزارة" بمفهومِه خدمة وتطوير، و"النّيَابَة" إنتاج وعي قانوني يمنع الاستئثار والاحتكار، بل هو مشروع يهدّد السُّلطة بالإسقاط إذا شَبِعَ وزراءُها والنَّاسُ جياع. بمعنى آخر، الإمام الحسين، مقاومة وعِزّ، دم شهادة وسخاء أَنْفُس أبِيَّة، لحماية العرض والأرض، ومنع وحوش الإقليم والنّظام العالمي مِن التِهَام أرضنا وتاريخنا، الحسين تَاج شرف على رُؤُوس المقاومين الذي نُفَاخِرُ بهم ونَزُفُّهم أمراء ونبارك للمقاومة وشعبنا المعطاء دمَهُم وتضحياتِهم وشهادتَهُم التي منعت سقوط سوريا ولبنان، وكسرت مشاريع النَّفط, وما زالت تُقَدِّمُ الشُّهداء الأبرار إيماناً منها بدورها المقدَّس، بعيداً عَمَّن يعيش على الارتزاق والشَّماتة ويبكي على أطلال التَّكفير ويتَّخذ الغرب ربّاً دون الله. وعليه، حين نتحدَّث عن الإمام الحُسَيْن نعيشُهُ عقلاً، ووعيَاً دِينيَّاً، وخدمةً للمستضعفين، ودفاعاً عن المعذَّبين والمظلومين، وقتالاً لا هزيمةَ فيه بوجه مشاريع الفتنة، وتأكيداً للمُكَوِّنَات الأخلاقيَّة والشَّراكة الإنسانيَّة، ومنها شراكة الوطن بناسِهِ وأهلهِ ومقدَّراتِه، لأنَّ شعار الإمام الحسين "أن نكون حيثُ الحقُّ يكون"، وليس بالثقافة الحسينيَّة بَيع وَطَن وخيانة وتملُّق وصفقات، وقرار سياسي معروض للبيع، وسياسات إقليميَّة تخلط بين الدّم والنَّفط.
واكد المفتي قبلان ان الحسين مشروع أُمَّة متكاتفة، متعاوِنة، تصل ليلها بنهارها لتحفظ اللهَ بدينِ شبابها وبناتها، بجوعاها، وفقرائها، بمستضعفيها ومقهوريها، وإلاَّ فهي ليست مِن الحسين حتى لو بكت ليلها ونهارها وطرشت بيوتها بالسَّواد! إنَّ شَبعَانَاً لا يهتمُّ بجائع، وقويَّاً لا يدفع عن ضعيف، وغنيَّاً لا يضمنُ محتاجاً، ومتعلّماً لا يَعيِنُ أُميَّاً أو جاهلاً، وقادراً لا يساعد مريضاً لدخول مستشفى أو علاج، ليس مِن الحسين وإنْ تَأبّدَ الأبد وهو يبكي الحسين عليه السَّلام. الحسين: كفالةُ يتيم، إشباع جائع، إغاثة ملهوف، تنفيس كروب، تشغيل عاطل عن العمل، شراء دواء لمريض، عِفَّة، حجاب، صدق، وفاء، حفظ مؤمن، دفاع عن مظلوم، وقفة حقّ، خُصُومَة ظَالِم، أمر بالمعروف، نهي عن المنكر، وإلاَّ فمَن يخالف اللهَ ليس من الحسين بشيء،يقول رسول الله: من تخلف عن الحسين تخلف عن الله.
وخلص الى القول...الإمام الحسين، ليس إمام فتاة تخونُ عِفَّتَهَا، أو شاب يملكه الإثم والغرائز. أو تاجِر يخالف اللهَ بألف ألف حيلة. مَن يُرِدْ أن يكون حسينيَّاً، عليه أن يكون تَقِيَّاً بنفسه وأهلِه ومالهِ ووُلدِهِ لله تعالى. بهذا المعنى يمكننا أن نفهم الإمام الحسين...
وفي الختام تلا السيد نصرات قشاقش السيرة الحسينية، والشيخ موسى الغول زيارة الامام الحسين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك