هذا الذي يجري في دواوين أهل السلطة في لبنان بجناحها الشرعي الرئاساتي، وجناحاتها المعارضة التي يغلب الولاء لغير الوطن في بعضها على الولاء للوطن، لا مثيل له في أي بلد عربي.
وعندما أطلق رئيس الجمهورية ميشال عون من على منبر الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس 21 سبتمبر (أيلول) 2017 الدعوة إلى اعتماد لبنان مركزاً دائماً للحوار بين مختلف الحضارات والديانات والأعراف، ويكون هذا المركز مؤسسة تابعة للأمم المتحدة، فإن الذي يشارك في هذا التقليد الأممي للمرة الأُولى بعدما بات رئيساً للجمهورية لا يأخذ في الاعتبار أنه إذا كان الحوار على المستوى الوطني غير قائم عملياً، وإن كانت تمت جلسات عدة بين ذوي الحوار، لكنها انتهت إلى بقاء التنافر على حاله من دون البت بقضايا أساسية من شأن التوافق عليها وضْع الوطن الصغير على طريق الاستقرار الذي يحقق الازدهار بالتدرج، فكيف سيأخذ اقتراحه الأممي طريقه إلى التنفيذ.
ولا يستبعد المرء أن يكون هنالك كثيرون داخل القاعة الأممية قالوا بينهم وبين أنفسهم ما معناه إن مثل هذا الاقتراح من جانب الرئيس اللبناني جدير بالاهتمام، ويستحق الأخذ به لو أن لبنان هو ذلك الذي كان في الخمسينات والستينات دولة مستقرة ذات رئاسات يعرف كل الذين يتولونها حدودهم وصلاحياتهم.
في ضوء ذلك فإن اقتراح الرئيس عون سيصطف إلى اقتراح سبق أن أطلقه الرئيس رفيق الحريري، وسعى من أجل تنفيذه وفق ما يراه مُجدي التنفيذ، وهو أن يتم بناء أهم مركز لاستضافة المؤتمرات العربية والإقليمية والدولية على مدار السنة، وتلك ظاهرة أخذ بها من قبل حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وزادها تطويراً. وللمرء أن يتصور أي أحوال سيكون عليها لبنان وعاصمة المؤتمرات بالمنظور الحريري لو لم يخُر الحُلم والحالم شهيداً في اعتداء لا مثيل لبشاعته قد يحفِّز إصرار الرئيس دونالد ترمب على كشْف أسرار اغتيال جون كيندي، على أن تنهي المحكمة الدولية جلساتها ورتابة الشهود وتضع القرار الاتهامي برسم العدالة اللبنانية والدولية.
لكن الاقتراح الذي وضعه الرئيس ميشال عون برسم التداول يحتاج منه إلى متابعة يسبقها سعي من جانبه، لترصين بعض ما يجري قولاً أو فعلاً. فليس جائزاً هذا التشويش المحسوب فاعله على الرئيس عون شخصياً، الذي يستهدف محاولة جادة للحكومة التي لرئيسها ديْن في الذمة العونية من أجل استكمال رتق الثوب اللبناني، وبالذات ما تسبب به النزوح السوري إلى لبنان. وحتى إذا كان التشويش هو مِن مستلزَمات ترؤس الجمهورية بعد خمس سنوات فإن التشويش هنا غير لائق في حق الرئيس عون، فضلاً عن أن حكومة هانئة البال لا تشويش عليها سواء كان هذا التشويش كلاماً غير محسوب بدقة مفرداته أو حراكاً مباغتاً منقوص التشاور والتنسيق، تشكِّل دعامة أساسية السعي الذي ينشده الرئيس عون من أجل إسباغ ملامح حضارية على ولايته الرئاسية. ومثل هذه الحكومة التي نشير إليها ممكنة وفاعلة في حال باتت الحقائب المثيرة للجدل في عهدة محايدين غير حزبيين. والطوائف الثلاث غنية بمثل هذه النوعية، ولنا في تجربة الحكومة الأُولى للرئيس رفيق الحريري المثال على ذلك، فهو كان يتطلع إلى الازدهار الذي يحققه الاستقرار في مفاصل أساسية. وهو من أجل ذلك اعتبر أن الحقائب الثلاث التي تحقق نسبة عالية من الحيوية في العمل الحكومي هي الخارجية التي اختار لها فارس بويز الماروني المستقيم الرأي المتفهم عروبية لبنان ومعادلاته الدقيقة، والدفاع التي اختار لها الشيعي العروبي غير المتعصب وغير المتحزب محسن دلول. وأما حقيبة المال فبقيت في عهدته، هو الذي لا يحتاج إلى الغرف منها بأسلوب أو آخر، لأن الله أعطاه ما يكفيه وأكثر. وفي الوقت نفسه حرص على أن تكون حصص التوزير بالعدد نفسه (6 وزراء موارنة و6 سُنة و6 شيعة). ولقد سارت الأمور على خير ما يرام. ونحن هنا نستحضر ما فعله الحريري الأب، من باب المقارنة مع الذي اضطروه للرئيس الابن سعد الدين، وهو أن تكون الخارجية في عهدة رئيس حزب، والمالية في عهدة الأقرب إلى رئيس الحزب، والدفاع إلى الذي هواه حزب الخمس نجوم. في تاريخ الحكومات العربية لم يحدث هذا الذي يحدث في لبنان. دائماً هنالك تهيُّب لرأس الدولة والتزام بالنهج الحكومي، ولا كلام على الإطلاق خارج الأصول. وأما الاجتهادات فإنها ضمن التشاور وتحت سقف السلطة التنفيذية التي تحترم السلطة الأعلى. ولمجرد أن يحدث اختراق يتم تغيير المخترِق، لكي تبقى الصيغة على تماسكها. وحتى في أعرق الدول ديمقراطية لا مجال للتغريد خارج السرب وبما يجعل «النوتة» مرتبكة. ولا بد أن الرئيس ميشال عون المبتهج بأنه جاء عام 1991 تهجيراً إلى فرنسا الملاذ له بضع سنوات على نحو ما حصل مع آية الله الخميني (بضعة أشهر من 6 أكتوبر 1978 إلى 31 يناير/ كانون الثاني 1979)، ثم عاد إليها رئيساً للجمهورية، وأول رئيس يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا الماكرونية... لا بد أن الرئيس عون يأخذ في الاعتبار أن الرئيس ماكرون وفي جفلة من رئيس الأركان الفرنسي الذي تحفَّظ على رؤية للرئيس ماكرون، سمع من الرئيس على الفور إقالة مهذبة تمثلت بعبارة: عندما يرى الرئيس أمراً فإن كلمته هي التي يؤخذ بها. وغادر رئيس الأركان المنصب على وجه السرعة.
ما هو مألوف في لعبة الرئاسة والترئيس في لبنان أن الحراك ينشط بدءاً من مطلع السنة الخامسة للولاية ذات السنوات الست، عدا استثناءات اضطرارية من النوع الذي منيت به رئاسة سليمان فرنجية الذي اضطروه إلى اختصارها. لكن الذي يحدث في لبنان منذ بضعة أسابيع هو أن الحراك بدأ منذ أن تسلم الجنرال ميشال عون مقاليد الرئاسة. وهذا الذي يحدث ينال من مهابة الرئيس ومن تطلعاته وأفكاره، ومِن بينها اقتراحه في إعلان لبنان مركزاً أممياً للحوار. كما وهذا بالأهمية نفسها ينال من السعي المبذول للاستنهاض، على طريق الاستقرار الذي يليه الازدهار.
لبنان المختلف ماضياً كان حلماً جميلاً. لبنان المختلف منذ حين يأخذ شكل الكابوس. تلك هي الحقيقة. وهذا هو واقع الحال.
ولا يستبعد المرء أن يكون هنالك كثيرون داخل القاعة الأممية قالوا بينهم وبين أنفسهم ما معناه إن مثل هذا الاقتراح من جانب الرئيس اللبناني جدير بالاهتمام، ويستحق الأخذ به لو أن لبنان هو ذلك الذي كان في الخمسينات والستينات دولة مستقرة ذات رئاسات يعرف كل الذين يتولونها حدودهم وصلاحياتهم.
في ضوء ذلك فإن اقتراح الرئيس عون سيصطف إلى اقتراح سبق أن أطلقه الرئيس رفيق الحريري، وسعى من أجل تنفيذه وفق ما يراه مُجدي التنفيذ، وهو أن يتم بناء أهم مركز لاستضافة المؤتمرات العربية والإقليمية والدولية على مدار السنة، وتلك ظاهرة أخذ بها من قبل حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وزادها تطويراً. وللمرء أن يتصور أي أحوال سيكون عليها لبنان وعاصمة المؤتمرات بالمنظور الحريري لو لم يخُر الحُلم والحالم شهيداً في اعتداء لا مثيل لبشاعته قد يحفِّز إصرار الرئيس دونالد ترمب على كشْف أسرار اغتيال جون كيندي، على أن تنهي المحكمة الدولية جلساتها ورتابة الشهود وتضع القرار الاتهامي برسم العدالة اللبنانية والدولية.
لكن الاقتراح الذي وضعه الرئيس ميشال عون برسم التداول يحتاج منه إلى متابعة يسبقها سعي من جانبه، لترصين بعض ما يجري قولاً أو فعلاً. فليس جائزاً هذا التشويش المحسوب فاعله على الرئيس عون شخصياً، الذي يستهدف محاولة جادة للحكومة التي لرئيسها ديْن في الذمة العونية من أجل استكمال رتق الثوب اللبناني، وبالذات ما تسبب به النزوح السوري إلى لبنان. وحتى إذا كان التشويش هو مِن مستلزَمات ترؤس الجمهورية بعد خمس سنوات فإن التشويش هنا غير لائق في حق الرئيس عون، فضلاً عن أن حكومة هانئة البال لا تشويش عليها سواء كان هذا التشويش كلاماً غير محسوب بدقة مفرداته أو حراكاً مباغتاً منقوص التشاور والتنسيق، تشكِّل دعامة أساسية السعي الذي ينشده الرئيس عون من أجل إسباغ ملامح حضارية على ولايته الرئاسية. ومثل هذه الحكومة التي نشير إليها ممكنة وفاعلة في حال باتت الحقائب المثيرة للجدل في عهدة محايدين غير حزبيين. والطوائف الثلاث غنية بمثل هذه النوعية، ولنا في تجربة الحكومة الأُولى للرئيس رفيق الحريري المثال على ذلك، فهو كان يتطلع إلى الازدهار الذي يحققه الاستقرار في مفاصل أساسية. وهو من أجل ذلك اعتبر أن الحقائب الثلاث التي تحقق نسبة عالية من الحيوية في العمل الحكومي هي الخارجية التي اختار لها فارس بويز الماروني المستقيم الرأي المتفهم عروبية لبنان ومعادلاته الدقيقة، والدفاع التي اختار لها الشيعي العروبي غير المتعصب وغير المتحزب محسن دلول. وأما حقيبة المال فبقيت في عهدته، هو الذي لا يحتاج إلى الغرف منها بأسلوب أو آخر، لأن الله أعطاه ما يكفيه وأكثر. وفي الوقت نفسه حرص على أن تكون حصص التوزير بالعدد نفسه (6 وزراء موارنة و6 سُنة و6 شيعة). ولقد سارت الأمور على خير ما يرام. ونحن هنا نستحضر ما فعله الحريري الأب، من باب المقارنة مع الذي اضطروه للرئيس الابن سعد الدين، وهو أن تكون الخارجية في عهدة رئيس حزب، والمالية في عهدة الأقرب إلى رئيس الحزب، والدفاع إلى الذي هواه حزب الخمس نجوم. في تاريخ الحكومات العربية لم يحدث هذا الذي يحدث في لبنان. دائماً هنالك تهيُّب لرأس الدولة والتزام بالنهج الحكومي، ولا كلام على الإطلاق خارج الأصول. وأما الاجتهادات فإنها ضمن التشاور وتحت سقف السلطة التنفيذية التي تحترم السلطة الأعلى. ولمجرد أن يحدث اختراق يتم تغيير المخترِق، لكي تبقى الصيغة على تماسكها. وحتى في أعرق الدول ديمقراطية لا مجال للتغريد خارج السرب وبما يجعل «النوتة» مرتبكة. ولا بد أن الرئيس ميشال عون المبتهج بأنه جاء عام 1991 تهجيراً إلى فرنسا الملاذ له بضع سنوات على نحو ما حصل مع آية الله الخميني (بضعة أشهر من 6 أكتوبر 1978 إلى 31 يناير/ كانون الثاني 1979)، ثم عاد إليها رئيساً للجمهورية، وأول رئيس يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا الماكرونية... لا بد أن الرئيس عون يأخذ في الاعتبار أن الرئيس ماكرون وفي جفلة من رئيس الأركان الفرنسي الذي تحفَّظ على رؤية للرئيس ماكرون، سمع من الرئيس على الفور إقالة مهذبة تمثلت بعبارة: عندما يرى الرئيس أمراً فإن كلمته هي التي يؤخذ بها. وغادر رئيس الأركان المنصب على وجه السرعة.
ما هو مألوف في لعبة الرئاسة والترئيس في لبنان أن الحراك ينشط بدءاً من مطلع السنة الخامسة للولاية ذات السنوات الست، عدا استثناءات اضطرارية من النوع الذي منيت به رئاسة سليمان فرنجية الذي اضطروه إلى اختصارها. لكن الذي يحدث في لبنان منذ بضعة أسابيع هو أن الحراك بدأ منذ أن تسلم الجنرال ميشال عون مقاليد الرئاسة. وهذا الذي يحدث ينال من مهابة الرئيس ومن تطلعاته وأفكاره، ومِن بينها اقتراحه في إعلان لبنان مركزاً أممياً للحوار. كما وهذا بالأهمية نفسها ينال من السعي المبذول للاستنهاض، على طريق الاستقرار الذي يليه الازدهار.
لبنان المختلف ماضياً كان حلماً جميلاً. لبنان المختلف منذ حين يأخذ شكل الكابوس. تلك هي الحقيقة. وهذا هو واقع الحال.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك